الأ صْ حَ احُ الخَامِسُ
استكمال الناموس التطويبات العظة على الجبل
:(2- 1) مقدمة العظة على الجبل (ع 1
ولما رأى الجموع، صعد إلى الجبل. فلما جلس، تقدم إليه تلاميذه. 2- ففتح فاه وعلمهم
قائلا:
ع 1: تكاثرت الجموع خلف المسيح، فخرج ﺑﻬم إلى الجبل ليحدثهم بكلامه المحيى.
والجبل يشير روحيا إلى الارتفاع عن الماديات، والقوة والثبات الروحى. وتكلم معهم فى
خطاب طويل استغرق ثلاثة أصحاحات، ويُعتبر دستورا للمسيحية فيه أهم تعاليمها. وقد
اقترب منه تلاميذه لمحبتهم فيه.
"صعد": كان هناك جموع كثيرة تتبع المسيح، وهى التى ُذكرت فى ﻧﻬاية الأصحاح السابق.
وحتى يسمعوه ويروه بوضوح، صعد مسافة صغيرة على الجبل وجلس، واقترب منه تلاميذه. أما
باقى الجموع، فجلست أمامه على الأرض فى الوادى المتسع؛ وهذا الجبل هو أحد الجبال القريبة من
َ كفْرَنَاحُومَ فى الجليل.
ع 2: بدأ المسيح يتكلم ويعلم الجموع بكلام مباشر، وهذه العظة هى من أشهر عظاته. وقد
يكون كرر بعض معانيها فى مناسبات أخرى، ولكنها - من أهميتها - تُعتبر دستورا
للمسيحية. وقد كانت عظته بمثابة تفسير للناموس، مضيفا إليه كمال الحياة المسيحية، فما جاء
.( لينقض الناموس بل ليكمله (ع 17
:(12- 2) التطويبات وھى الغبطات أو البركات (ع 3 )
-3 "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات. 4 - طوبى للحزانى، لأﻧﻬم
يتعزون. 5- طوبى للودعاء، لأﻧﻬم يرثون الأرض. 6 - طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأﻧﻬم
يشبعون. 7 - طوبى للرحماء، لأﻧﻬم يُرحمون. 8- طوبى للأنقياء القلب، لأﻧﻬم يعاينون الله. 9 - طوبى
لصانعى السلام، لأﻧﻬم أبناء الله يُدعون. 10 - طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت
السماوات. 11 - طوبى لكم إذا عيَّروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى
كاذبين. 12 - افرحوا وﺗﻬللوا، لأن أجركم عظيم فى السماوات، فإﻧﻬم هكذا طردوا الأنبياء
الذين قبلكم."
ع 3: بدأ المسيح حديثه بتشجيع أولاده ومدحهم، ليجاهدوا فى حياﺗﻬم الروحية، فأظهر لهم
المكافأة، ليتحمسوا للعمل الروحى.
وأول مدح كان "المساكين بالروح"، أى المتضعين، لأن الاتضاع هو أساس كل فضيلة، كما
أن الكبرياء هو الخطية الأولى التى أسقطت آدم، وأيضا الشيطان. وبالتالى، فالمتضع يضمن ملكوت
السماوات الأبدى بحلول الله فى قلبه بملكوته الروحى، فيفرح ويتمتع كل حين.
ع 4: ثم يمدح الحزانى على خطاياهم، أى التائبين، ومن يحزنون على خطايا الآخرين،
فيصّلون لأجلهم، لأن الله يعطيهم سلاما فى قلوﺑﻬم فى هذه الحياة، ثم تعزيات سماوية وأمجاد فى
الأبدية.
ومن أجل هذا، أحب أولاد الله الدموع والندم على الخطية، ليحيوا فى البر بقلوب رقيقة،
تشعر بحنان الله وغفرانه، وتشكره كل حين. وهذا الحزن طبعا غير الحزن على فقدان الماديات، أو
عدم الحصول عليها، فهذا حزن باطل ينبغى التحرر منه.
ع 5: إذ يتحلّى الإنسان بالتوبة، ﺗﻬدأ نفسه، فيصير وديعا فى داخله لا ينفعل لأى مكسب أو
خسارة. وعلى قدر قوة علاقة الروح بالله، يهدأ الجسد وتُرَوَّضُ طاقاته؛ وقد قدّم المسيح نفسه مثلا
أعلى فى الوداعة لنتعلم منه.
ويظن البعض أن الوديع يخسر حقوقه فى هذه الحياة، لكن الله يعد الودعاء بوراثة الأرض.
والمقصود ب "الأرض"، ليس فقط الأرض الجديدة فى ملكوت السماوات، بل أيضا الأرض
التى نعيش عليها، إذ أن الوديع يحبه الجميع وتزداد بركات الله له، المادية بالإضافة إلى الروحية، فلا
يحتاج لأى شىء مادى.
وترمز الأرض أيضا للجسد، الذى يخضع للروح، فيصير هيكلا للروح القدس.
وكذلك ترمز الأرض للأشرار، الذين يتحولون عن طبعهم الشرير بمخالطة الودعاء، وﺑﻬذا
يكسبوﻧﻬم للمسيح.
ع 6: "البر": هو الصلاح والأعمال الحسنة، وكل حياة فى الله. وكمال البر هو المسيح،
فالجوع والعطش إليه هو الشعور بالاحتياج المستمر للامتلاء به. وكما كان بنو إسرائيل فى البرّية،
يشبع الله جوعهم بالمن من السماء ويروى عطشهم بالماء من الصخرة، مانحا إياهم الحياة فى البرّية
القاحلة، كذلك المسيح هو حياتنا التى لا نستطيع أن نعيشها بدونه. ومن يطلب المسيح، لابد أن
يشبع ويمتلئ بفرح.
وهذا الجوع والعطش، يدفع الإنسان للنمو فى الحياة الروحية بالطموح والاقتراب المتزايد من
الله، وانتهاز كل فرصة لمعرفته بالصلاة والقراءة والتأمل، وفوق الكل التمتع بالأسرار المقدسة.
ع 7: الرحمة: هى الإحساس بالآخر، ووضع نفسك مكانه، فتعطيه، ليس فقط الاحتياجات
المادية أو العاطفية، بل المشاركة، فتأكل وتتحرك وتفكر معه، كما فعل المسيح إذ تجسد، وشاركنا
طبيعتنا كلها ما خلا الخطية وحدها. وتذ ّ كر أن المسيح هو من تصنع معه الرحمة، لأنه دعا المحتاجين
"إخوته"، وما نفعله معهم كأننا فعلناه معه. ومكافأة الرحمة أننا ننال مراحم الله فى حياتنا وخاصة فى
.(46 -34 : 42 ، ص 25 : الضيقة، ثم فى النعيم الأبدى (راجع ص 10
ع 8: "القلب": يمثل داخل الإنسان وأعماقه ومشاعره ونياته، ونقاوته معناها تجرده من كل
شهوة شريرة، وكل انشغال عالمى عن محبة الله، إذ يصير القلب مهيًّأ لسكنى الله بالنقاوة، ويستطيع
أن يعاين الله ويشعر أنه بداخله ومعه فى كل شىء، ليس بالرؤية أو السماع الحسى، بل بالإحساس
الروحى، لأنه أعمق من الأمور الحسية، ومشبع للنفس جدا؛ وكل الصفات السابقة تجتمع معا
لتؤهل النفس للنقاوة التى ﺑﻬا نعاين الله.
ع 9: "السلام": هو استقرار القلب وراحته وفرحه. وصنع السلام يكون مع النفس فأحيا
فى سلام، وهذا يستلزم التنازل عن كل ما يقلق من شهوات ردية وأطماع أرضية، بل والاستعداد
للتنازل عن جميع الحقوق والاحتفاظ بالحق الأهم، وهو السلام الداخلى.
وإذا اكتسبنا سلامنا، نستطيع أن نصنع سلاما مع الآخرين بالحب والصلوات لأجلهم،
ومساعدﺗﻬم على الخروج من متاعبهم، حتى وإن احتملناهم كثيرا لأﻧﻬم مساكين فاقدين سلامهم.
والسلام هو الخضوع لله، إله السماء، الذى يمنحه كهبة للذين يحبونه. وقد صنع
سلاما بين الأرض والسماء، ومصالحة بينهما، بدمه على الصليب. فإن سعينا فى طلب
السلام، نكون بالحقيقة أبناء له.
12 : التطويب الثامن والأخير، ينتج من كل الصفات السبعة السابقة، - ع 10
وهو احتمال الاضطهادات من أجل الحياة النقية والأمانة، ومن أجل طاعة المسيح ووصاياه.
ويعدنا الرب، مقابل الآلام المحدودة فى هذه الحياة، بأمجاد ملكوت السماوات التى لا تنتهى.
"البر": أى الصلاح وأعمال الخير والحياة مع الله، وهذا شرط للمكافأة السماوية، لأنه لو
أساء الناس إلينا ليس لبرنا، بل لأخطاء صنعناها، فهذا جزاؤنا الطبيعى.
"عيَّروكم": أى استهزأوا بكم وبمسيحكم وبكل معتقداتكم وسلوككم المستقيم.
"كل كلمة شريرة": وهى اﺗﻬامات باطلة يدعيها الأشرار عليكم، كما فعلوا أيام الاضطهاد
الرومانى، وفى كل جيل.
"افرحوا وﺗﻬللوا": لأنكم شاركتم المسيح فى آلامه، وللأمجاد السماوية التى تنتظركم
عوض كل ما احتملتموه.
"عظيم": ليُظهر مقدار البركات السماوية التى لا يُعَبَّرُ عنها.
ويدعونا للثقة فى سلوكنا البار، مهما كانت تشكيكات وادعاءات الأشرار التى نحتملها،
عالمين أﻧﻬا طريقنا لننال أجرنا السمائى، خاصة وأن كل الأنبياء والقديسين احتملوا لأجل الله،
فالاحتمال شرط أساسى لنوال الملكوت.
ونصوص هذه التطويبات هى صفات الإنسان المسيحى، التى لا يُستغنَى عن أحدها
لنوال المكافآت الثمانية.
وأمامنا مثلنا الأعلى، المسيح، لنجد التطبيق العملى لكل هذه الصفات فيه.
إن كنت تبغى السعادة، وتشتاق أن تصل إلى الملكوت، فلابد أن تقتنى الفضيلة، وتتعب
لتقتنيها، فتفرح بسكنى المسيح فيك.
افحص حياتك، لتعرف الخطية المتكررة التى تعانى منها، واسْعَ لاقتناء الفضيلة المقابلة لخطيتك.
فإن كنت تعانى من الكبرياء، تعلم الاتضاع. وإن كنت محاربا بالنجاسة، فأنت محتاج
للطهارة... وإرشادات أب اعترافك تفيدك كثيرا فى هذا الأمر.
:(16- 3) رسالة المسيحى (ع 13 )
13 - "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح، فبماذا يُمَلَّحُ لا يصلح بعد لشىء، إلا لأن
يطرح خارجا، ويداس من الناس. 14 - أنتم نور العالم، لا يمكن أن تُخَْفى مدينة موضوعة
على جبل. 15 - ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضىء لجميع الذين
فى البيت. 16 - فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكى يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذى
فى السماوات."
ع 13 : شبه المسيح أولاده بالملح الذى يملح الأرض، أى البشر الأرضيين المرتبطين بالعالم.
ويتميز الملح بذوبانه فى الطعام، فيعطى مذاقا أفضل، دون أن يلغى طعمه الأصلى، مثل المسيحى
الذى يؤثر فى الآخرين فيصيروا فى حياة أفضل، ولا يفقدوا شخصياﺗﻬم الخاصة.
والملح رخيص ومنتشر فى العالم كله بسهولة، مثل المسيحى المتضع الذى تنتشر خدمته لكل
إنسان. والملح أبيض اللون، فيرمز للنقاوة والطهارة. ويستخدم أيضا فى حفظ الأطعمة من الفساد،
كما أن المسيحى يحفظ نفسه ومَن حوله ويثبتهم فى الحياة مع الله.
المشكلة الحقيقية، هى أن يفسد الملح الذى نعتمد عليه فى إصلاح الجميع. ومتى يفسد الملح
1) إذا اختلط بمواد غريبة، فيضعف تأثيره، مثل اختلاط المسيحى بالأشرار وتأثره ﺑﻬم. )
دخول رطوبة عليه فتضعف ملوحته، وهذا يرمز للتنعم والتلذذ براحة الجسد، وشهوات ()
الحياة الفاسدة.
إذا اختلط بالماء ومر فيه تيار كهربائى، يتحول إلى مواد ضارة مثل الصودا ()
الكاوية، وهذا يرمز لخضوع المسيحى لقوى العالم الشريرة، مثل التعلق بمحبة المال
والشهوات المختلفة، فتملأ قلبه وتغيّره عن طبعه، ويصبح ضارا ومفسدا للمحيطين به
الذين يرونه قدوة، فيصبح مُعثرا لهم.
حينئذ تظهر مشكلة، ألا وهى: بماذا نُملّح أو نصلح الآخرين ومن ناحية أخرى: ماذا نصنع
ﺑﻬذا الملح الفاسد إنه فقد عمله وهدف وجوده فى الحياة، فلا ينتظره إلا أن يُلقَى خارج الملكوت،
ويعانى آلام الدوس، أى العذاب الآبدى، والسحق الذى لا ينتهى.
ع 14 : يشبّه المسيحى بالنور الذى وظيفته أن ينير للآخرين، وهو يتميز بما يلى:
1) يرشد الآخرين فى طريق حياﺗﻬم. )
يكشف لهم الشر وكل ما يضرهم ليبتعدوا عنه. ()
يساعدهم على عمل الخير، فالعمل يكون فى النور وليس فى الظلمة. ()
النور قوى، لا يخاف الظلام، أى الشر، بل إن الظلمة ﺗﻬرب منه. ()
فلابد أن يكون المسيحى فى سمو حياة روحية كمدينة مبنية على جبل، لا يمكن إخفاء نورها،
مثل القمر الذى يضىء العالم بنوره العاكس لضوء الشمس التى هى الله، فهو يطالبنا أن ننير العالم
كله بحياتتنا الصالحة.
ع 15 : يشبّه أيضا حياة المسيحى بسراج (مصباح أو قنديل) فى بيت، الهدف منه إنارة هذا
البيت، ويوضع على منارة أو مكان مرتفع ليصل نوره إلى كل أرجاء البيت؛ ومن غير المنطقى أن
يوضع فوق السراج مكيال ليخفى ضوءه.
"المكيال": هو وعاء ذو فوهة ضيقة وقاعدة أكبر، يستخدم لتعيين حجم الحبوب عند بيعها،
فإذا وُضع فوق السراج يخفى ضوءه تماما. وهو يرمز للماديات والقياسات العقلية، وهموم العالم التى
تمنع انطلاق النور ’’نور عمل الروح القدس فينا‘‘ ليضىء للآخرين.
ع 16 : يطالبنا بالقدوة للآخرين فى الأعمال الصالحة، فيروا المسيح فينا، وعمل روحه
القدّوس، فيمجدوا الله وينجذبوا للحياة معه، ولا يكون غرضنا من الأعمال الصالحة الكبرياء
ومديح الناس ومجد أنفسنا، بل نسلك بالبر من أجل الله كقدوة للآخرين، فنجذب القلوب لمحبة
الله.
إن لك دور أساسى فى العالم، وهو إظهار المسيح فى كلامك وتصرفاتك فى كل مكان تذهب
إليه أو توجد فيه. فاسأل نفسك فى ﻧﻬاية كل يوم، هل أظهرت المسيح فى بيتك وعملك وكل
مكان ذهبت إليه حتى تتوب عن خطاياك وتدقق فى سلوكك، فتربح نفسك ومن حولك.
:(20- 4) تكميل الناموس (ع 17 )
17 - "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل. 18 - فإنى
الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس،
حتى يكون الكل. 19 - فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلّم الناس هكذا، يُدْعَى أصغر فى
ملكوت السماوات؛ وأما من عمل وعلّم، فهذا يُدْعَى عظيما فى ملكوت السماوات."
18 : المسيح هو الله، واضع الناموس. وبالتالى، من غير المعقول أن ينقض ما - ع 17
وضعه، ولكنه تجسد ليكمله؛ كيف
أ ) فيه تتم كل الرموز والنبوات فى العهد القديم، كما يذكر متى الإنجيلى هذه
العبارة: "ليتم ما قيل بالأنبياء..."
ب ) يتمم بنفسه كل ناموس عنا، إذ عجزنا نحن عن إتمامه، كما يقول ليوحنا
.( : المعمدان: "نكمل كل بر" (ص
ح) ي كمل الناموس فى حياتنا بقوة روحه القدّوس، فإن كنا قد عجزنا بقوتنا أن نتممه،
فالروح القدس يسندنا ويقوينا.
د ) يكمل تفاصيل الوصايا، فيعطى أسباﺑﻬا وجذورها حتى نتلافاها، فالقتل مثلا بدايته
الغضب، والزنا أوله نظرة شريرة.
"الناموس أو الأنبياء": يقصد ﺑﻬما كل أسفار العهد القديم.
"الحق": تعنى "آمين"، والمقصود تثبيت وتأكيد ما سيعلنه فى الآية.
"السماء والأرض": تعبير عن أكثر الأمور ثباتا فى العالم، لتوضيح ثبات كلام الله فى الكتاب
المقدس إلى ﻧﻬاية الدهور.
"حرف واحد أو نقطة واحدة": أى أن أصغر تعليم لا يمكن أن يتغيّر.
"حتى يكون الكل": حتى تكمل خطة الله فى خلاص أولاده يوم الدينونة، ويكمل تطبيق كل
الناموس، بتمجيد أولاد الله وعذاب الأشرار.
20 : كان الكتبة والفرّيسيّون يحفظون الناموس حرفيا، لكنهم ينقضونه بأعمالهم. - ع 19
فرغم أهمية الحرف، فإن الأهم هو تنفيذه عمليا. فمن أهمل أصغر وصية، وعلَّم بذلك، يكون أحط
وأقل إنسان فى ملكوت العهد الجديد، أى الكنيسة، وينبغى أن يتوب سريعا حتى لا يخسر أبديته.
لأن من نقض إحدى الوصايا ورفضها عمدا، يكون قد رفض الكل. أما من يخطئ بضعفه، فالتوبة
تمسح الخطايا فى سر الاعتراف.
ولكن من َقرَ َ ن تعليمه للوصايا بتنفيذها فى حياته، فهذا يدعى عظيما فى الكنيسة والملكوت
الأبدى.
ثم ينادى المسيح تابعيه أن يزيد برهم عن الكتبة والفرّيسيّين، فلا يكتفوا بحفظ حروف
الناموس، بل لابد من تطبيق وصاياه عمليا فى حياﺗﻬم، لأﻧﻬم إن لم يطبقوا الناموس لن يدخلوا
ملكوت السماوات.
"الوصايا الصغرى": هى التى تختص بالابتعاد عن شىء، أو التدقيق فى شىء صغير. فهى مهمة
مثل الوصايا الكبرى كالوصايا العشر.
الكتبة والفريسيين: كان اليهود يظنون أنه لكثرة معلومات هاتين الفئتين، أﻧﻬما أعظم مثال
للحياة مع الله، فأوضح المسيح ضرورة أن يزيد البر لأى إنسان يريد أن يخلص عن هذا البر
النظرى.
ليتك تطبق ما تقوله للآخرين فى حياتك قبل أن تعّلم به غيرك، فتختبره وتنال بركته، ويكون
كلامك أكثر تأثيرا فى سامعيك. إن كل معرفتك الروحية، الله أعطاها لك أنت أولا قبل أن
تعّلم ﺑﻬا غيرك. فاقبل كل ما تقرأه أو تسمعه للتطبيق العملى، فتخّلص نفسك ومن يسمعونك،
إذ يظهر فى حياتك سلوك مستقيم يكون قدوة للآخرين دون أن تشعر.
:(26 - 5) القتل (ع 21 )
20 - "فإنى أقول لكم: إنكم إن لم يزد ِبرُّ ُ كمْ على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت
السماوات. 21 - قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. 22 - وأما
أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا، يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رََقا،
يكون مستوجب اﻟﻤﺠمع. ومن قال يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم. 23 - فإن قدمت قربانك إلى
المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك. 24 - فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا
اصطلح مع أخيك؛ وحينئذ تعال وقدم قربانك. 25 - كن مراضيا لخصمك سريعا، ما دمت معه
فى الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضى، ويسلمك القاضى إلى الشرطى، َفتُْلَقى فى السجن.
26 - الحق أقول لك: لا تخرج من هناك حتى تُوفِىَ الَْفلْسَ الأخير."
22 : إن كانت التطويبات قد تكلمت عن الصفات الإيجابية فى الإنسان المسيحى - ع 21
ومكافآﺗﻬا، فيذكر المسيح الآن الخطايا السلبية وكيفية معالجتها، ويأخذ مثلا وصية صعبة، وهى
"لا تقتل" فيأتى بجذرها، وهو خطية الغضب، لأنه إن ابتعدنا عن الغضب، فبالطبع لن نقتل أحدا.
وقد كان الكتبة والفرّيسيّون وشيوخ اليهود يعاقبون من يقتل عمدا، أما غير المتعمد فيهرب
إلى مدن الملجأ. ولم يعطوا اهتماما بالغضب الداخلى، بل اكتفوا بتنفيذ الغضب خارجيا بالقتل.
ولكيما يوضح المسيح خطورة الغضب، قال: "إن كل من يغضب على أخيه باطلا"، أى
بسبب الأمور المادية الباطلة الزائلة، يكون مستوجبا حكم المحاكم الصغيرة التى أقيمت فى كل البلاد
اليهودية، ويقضى فيها عادة 23 قا ٍ ض من الشيوخ، وهذا الحكم يمكن استئنافه أو مراجعته فى
المحاكم العليا، وأكبرها مجمع "السنهدريم" فى أورشليم، الذى يتكون من سبعين من كبار شيوخها
رؤساء اليهود، لذا يسمى أيضا مجمع السبعين، وهو اﻟﻤﺠلس الأعلى وتتبعه كل اﻟﻤﺠالس الفرعية. كما
أنه أكبر سلطة يهودية تأخذ القرارات فى أمور اليهود الدينية، وكان كثير من الكتبة أيضا أعضاء فى
هذا اﻟﻤﺠمع.
والمقصود بالغضب هنا، غضب داخلى قلبى، دون إظهار أى تعبير عنه.
أما "من قال لأخيه رََقا"، وهى كلمة سريانية تعبّر عن الاحتقار المرتبط بالغضب، يستوجب
هذا محاكمة اﻟﻤﺠمع، أى مجمع السنهدريم الذى يتكون من كبار شيوخ أورشليم.
ولكن، إن تطاول الإنسان فى غضبه، ووصف أخيه بالحمق والغباء، فيستحق "نار جهنم".
"جهنم": مأخوذة من وادى هِنُّومَ الذى كانت تلقى فيه بقايا الذبائح، وكان يسرى فيها
الدود، ويحرقوﻧﻬا بالنار، فكانت النار لا تنطفئ فى هذا الوادى. ولذا شبّه الله العذاب الأبدى بالنار
التى لا تنطفئ، والدود الذى لا يموت، فى وادى هِنُّومَ، ولكن بطريقة روحية أكثر عذابا وقسوة.
وهنا، يظهر المسيح رفضه للغضب وخطورته، فحتى الغضب الداخلى يستوجب محاكمة أمام
الله، وبالتالى أى تعبير عنه، سيؤدى بالإنسان إلى الهلاك الأبدى.
24 : يعلن المسيح بوضوح أن الصلوات والعطايا المقدمة لله، لا تُقبَل من الإنسان - ع 23
الغضوب، أو المسئ لغيره، أو المخاصم، لأن الله يريد الصلوات المقدمة من القلب النقى المملوء
محبة.
فإن قدّم أحد اليهود قربانه كعطية لله، ثم تذ ّ كر وانتبه لوجود مخاصمة بينه وبين أحد، فلا
يكمل تقديم قربانه، بل يصطلح أولا مع أخيه، ثم يعود ويكمل تقديم قربانه، لكيما يُقبَل من الله.
"لأخيك شيئا عليك"، لم يقل لك عليه شىء، فحاسب نفسك على واجباتك قبل حقوقك.
"اترك": يوضح أهمية المصالحة وتقديم الحب قبل العبادة، لأنه إن تنقَّى القلب بالمحبة يكون
مقبولا من الله، وكذا العبادة التى يقدمها.
"اذهب": أى اهتم بمصالحة أخيك حتى لو كان مخطئا فى حقك، كما يوصى المسيح بنفسه،
.(15 : قائلا: "إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه" (ص 18
يلزم تنقية القلب من كل غضب قبل الصلاة، سواء فى مخدع بيتك أو فى الكنيسة، وخاصة عند
التناول من الأسرار المقدسة، لأن صلواتك غير مقبولة إن لم تُنَقِّ قلبك.
فأسرع لمصالحة الآخرين، حتى لو كانوا مخطئين فى حقك، فتكسبهم بالمحبة، ولا تنزعج من
كبريائهم أو قسوﺗﻬم، بل صَلِّ لأجلهم حتى يُنزَع الغضب من قلوﺑﻬم، واهتم بسلامك قبل
كل شىء.
26 : إن "خصمك" هو وصايا الله، أو ضميرك الذى يذ ّ كرك بكلام الله، أو الروح - ع 25
القدس الساكن فيك، إذ أنك صرت فى خصومة معه بسبب وقوعك فى الشر.
"الطريق": هو هذه الحياة. فإن خضعت لصوت الروح القدس والضمير، وأطعت الوصية،
مبتعدا عن الغضب والحقد وكل شر، تُنَجِّى نفسك، وتصطلح مع هذا الخصم، وإن لم تصطلح معه
بالخضوع له والتوبة، فإنه يسلمك إلى "القاضى"، وهو الله الديّان العادل فى يوم الدينونة، فيحكم
عليك بالهلاك الأبدى، ويسلمك إلى "الشرطى"، وهم الملائكة الذين يلقونك فى السجن، أى
العذاب الأبدى، و"لا تخرج من هناك حتى تُوفِىَ الَْفلْسَ الأخير" (كل ديونك حتى أصغر عملة).
ولأن خطيتك غير محدودة، إذ هى موجه لله غير المحدود، فعقاﺑﻬا غير محدود، وبالتالى، تظل فى
العذاب الأبدى.
ليتك تحترس من خطية الغضب، ولا تعطى لنفسك أعذارا لتتمادى فيها، بل أشفق على
الآخرين مهما كانت أخطاؤهم، فتحمى نفسك من نتائج الغضب الشريرة، وتستعيد سلامك،
وترجع إلى طريقك الروحى المؤدى إلى الملكوت، وتكسب نفوس من حولك.
:(30- 6) الزنا (ع 27 )
27 - "قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن. 28 - وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة
ليشتهيها، فقد زنى ﺑﻬا فى قلبه. 29 - فإن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير
لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يُْلَقى جسدك كله فى جهنم. 30 - وإن كانت يدك اليمنى تعثرك،
فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله فى جهنم."
28 : إن الزنا هو النظر بقصد الشهوة، وهذا يولد تلذذ بالشهوة فى الفكر، الذى - ع 27
يؤدى إلى السقوط فى الفعل بدرجاته المختلفة. لذا، أراد المسيح قطع الخطية من جذورها، وهو
النظر، موضحا أنه يعتبر زنا، حتى لا يتهاون أحد فى نظرته أو أفكاره أو عواطفه، ويظن هذا شيئا
عاديا، وإلا سيتمادى ويعتبر حتى اللمسات الشريرة عادية. وإن سقط فى الزنا الكامل، قد يعذر
نفسه، فيُغلق باب التوبة أمامه، لتهاونه وتبريره للخطية.
أما أنت يا إنسان الله، فاهرب من التطلع بلا دا ٍ ع حتى لا تسقط فى المناظر الشريرة، كما يهرب
الإنسان من الثعبان أو العقرب.
30 : حيث أن الإنسان، لضعفه، معرض للسقوط بالنظر أو الفعل، يقول المسيح: - ع 29
إن سقطت فى نظرة شريرة، فاقلع عينك اليمنى التى أعثرتك وأسقطتك فى خطية الزنا. وإن
سرقت، فاقطع يدك اليمنى التى أعثرتك.
والمقصود هنا ليس المعنى الحرفى، لأنه، ما الفرق بين العين اليمنى واليسرى إلا أن اليمين
يرمز للقوة والأهمية، فيشير ﺑﻬذا إلى الصديق القريب جدا أو الشهوة المحببة، أو أى شىء عزيز لديك
مثل العين أو اليد، ينبغى الابتعاد عنه، والتنازل عن الارتباط به، حتى لا تسقط فى الخطية، ويكون
مصيرك العذاب الأبدى.
افحص يا أخى مصادر سقوطك فى الخطية، سواء الزنا أو أية خطية أخرى، وتنازل وابتعد عنها
مهما كانت غالية عندك، لتكسب خلاص نفسك وأبديتك.
:(32- 7) الطلاق (ع 31 )
31 - "وقيل: من طلق امرأته، فليعطها كتاب طلاق. 32 - وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق
امرأته إلا لعلة الزنى، يجعلها تزنى؛ ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى."
32 : "كتاب طلاق": يجلس الزوج مع أحد الكتبة، ويكتب محضر طلاق، فيعطى - ع 31
حرية للزوجة أن ترتبط بآخر.
كان العالم الوثنى يبيح الطلاق لأى سبب، خاصة اليونانيون الذين انتشر عندهم الفجور
والزنا فى معابدهم. أما عند اليهود، فكان لابد أن يراجع نفسه، ويكتب كتاب طلاق، لعله يرجع
عن قراره، إذا شعر أن امرأته ستكون لآخر، ويهدأ غضبه وضيقه.
أما المسيح، فيظهر عظمة سر الزيجة أنه اتحاد لا يمكن فصله، إلا اذا ارتبط أحد الطرفين بزنا،
فحينئذ يكون قد فصل نفسه عن الآخر وقسم هذا الاتحاد. أما من يطلق امرأته لأى سبب آخر،
يجعلها تزنى إذا ارتبطت بآخر، لأﻧﻬا ما زالت أمام الله زوجته، والزوج الجديد يعتبر زانيا لأنه تزوج
بامرأة غيره.
1) بإباحة الطلاق وكتابة : والمسيح هنا يعارض، ليس شريعة موسى المكتوبة فى (تث 24
كتاب بذلك، بل يُرجع الأمور إلى أصلها. فإن كان موسى قد اضطر، نتيجة اختلاط شعبه
بالمصريين وتعودهم الطلاق، أن يضع حدودا لهم، بأن يراجع الإنسان نفسه ويكتب شهادة بذلك.
ولكن، لم يكن هذا قصد الله حين خلق الإنسان ليتحد بالآخر فى سر الزيجة، عندما قال: "لذلك
24 )، ولم يعط سماحا : يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا" (تك 2
بالطلاق إلا فى حالة الزنا، لأنه يفصل بين جسدى الزوجين عندما يرتبط أحدهما بجسد آخر.
فلنقدّس سر الزيجة، لنرتفع عن أسباب الخلافات، ونحاول حلها بالإرشاد الروحى، والتوبة،
والالتصاق بالكنيسة.
:(37- القَسَمُ (ع 33 )
33 - "أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تَحْنَ ْ ث، بل َأوْفِ للرب أقسامك. 34 - وأما أنا فأقول
لكم: لا تحلفوا البتة، لا بالسماء لأﻧﻬا كرسىُّ الله. 35 - ولا بالأرض، لأﻧﻬا موطئ قدميه. ولا
بأورشليم، لأﻧﻬا مدينة الْمَلِكِ العظيم. 36 - ولا تحلف برأسك، لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة
بيضاء أو سوداء. 37 - بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك، فهو من الشرير."
ع 33 : سمح الله قديما لشعبه أن يقسِموا (يحلفوا) باسمه، حتى يوجه قلوﺑﻬم لعبادته، وعدم
القَسَم بالآلهة الوثنية.وما ﻧﻬاهم عنه هو الحنث، أى القسم كذبا. ومعنى ذلك، تنفيذ ما أقسموا به،
مثل النذور التى يجب الوفاء ﺑﻬا إذا ما نطق الإنسان ﺑﻬا، ووعد الله أن يتممها.
وكان الكتبة والفرّيسيّون يعّلمون أن القسم باسم الرب هو الذى ينبغى إيفاءه، أما القسم
بأى شىء آخر فيمكن الرجوع فيه. وهذا طبعا تعليم خاطئ يقاومه المسيح هنا، ويصححه فى
الآيات التالية، مُعّلما بعدم الحلف أو القسم مطلقا.
37 : فى العهد الجديد، يكمل الناموس بالنهى عن القسم، لأن اسم الله أسمى من أن - ع 34
يقال لأجل معاملات مادية، بل يذكر للعبادة ومباركة حياتنا.
"كرسىُّ الله": السماء ترمز لوجود الله نظرا لسموها وارتفاعها، فتناسب سموه.
"موطئ قدميه": الأرض والأرضيات أدنى من السماء، لذلك دُعيت موطئا لقدمى الله.
ومن ناحية أخرى، نحن لا نملك أى شىء فى العالم، بل نحن وكلاء عليه، فكيف نقسم
بشىء لا نملكه الله وحده القادر على القسم، لأنه يملك كل شىء.
ويوضح المسيح أننا لا نملك حتى شعرة واحدة من رؤوسنا، وعاجزين عن تغيير لوﻧﻬا.
وبالتالى، لا يصح أن نحلف بحياة إنسان أو أى شىء من المخلوقات التى فى العالم؛ لذا يطالبنا أن
يكون كلامنا بسيطا خاليا من القسم، أى لا نحتاج أن نثبته بالقسم، وتكون إجابتنا على الآخرين،
نعم أو لا فقط.
"نعم نعم، لا لا": أى لا نستخدم الَقسَم، ونعلن الحقائق أو موافقتنا على ما يقوله الآخرون
بكلمة نعم، أو النهى ورفض ما يناسبنا بكلمة "لا"، دون الحاجة لإثبات ذلك بكلمات القَسَم.
"من الشرير": أى أن استخدام الَقسَم هو من عمل الشيطان الشرير، فهو الذى أوجد الكذب
والغش، ويدعو الناس للقَسَم إثباتا لكذﺑﻬم.
منع الَقسَم يضبط الغضب، حتى لا يتمادى إلى قرارات ملزمة، بل هو سمة للمسيحيين فى
براءﺗﻬم. والقسم ليس دليلا على الصدق، بل يستخدمه الأشرار فى الكذب للوصول إلى أغراضهم.
دقق فى كلماتك، فيكون فيها اسم الله للبركة، وابعد عن الكذب، وبالتالى لا تحتاج إلى إثبات
أقوالك بالأقسام الباطلة. ولا تستهن باسم الله، أو حياة الناس فتُقسم ﺑﻬا باستهتار ﻟﻤﺠرد التعود
على ترديدها.
:(42- 9) مقابلة الشر بالخير (ع 38 )
38 - "سمعتم أنه قيل: عين بعين، وسن بسن. 39 - وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل،
من لطمك على خدك الأيمن، فحوّل له الآخر أيضا. 40 - ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك،
فاترك له الرداء أيضا. 41 - ومن سخّرك ميلا واحدا، فاذهب معه اثنين. 42 - من سألك فأعطه،
ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده."
ع 38 : أراد الله فى العهد القديم تثبيت فكرة العدل الإلهى، والحاجة إلى الفداء، وإن أخطأ
الإنسان يحتاج لإنسان مثله يفديه. فالعين تُفدَى بعين، والسن (مفرد أسنان) يُفدَى بسن مثله.
ولأن الخطية غير محدودة، إذ هى فى حق الله، احتاجت لفداء غير محدود، أى بموت الله المتجسد،
المسيح ألهنا.
وأراد أيضا ﺑﻬذه الوصية "عين بعين، وسن بسن"، ألا يرد الإنسان على الشر بشر أعظم منه،
بل يكفى أن يرد بشر مثلما أصابه.
هذه هى وصايا العهد القديم، لأن مستوى فهم الشعب لا يحتمل أكثر من هذا.
والإنسان فى نضجه الروحى، يتدرج فى ست درجات أمام الشر الذى يصيبه:
1) الاعتداء على الغير بالشر، وهذا هو الأسلوب الهمجى. )
مقابلة الشر بشر أعظم، لأن الآخر بدأ بالشر. ()
مقابلة الشر بشر مثله، وليس أكثر، كما فى الشريعة اليهودية. ()
مقابلة الشر بشر أقل، وهذا فيه ضبط للنفس. ()
عدم الرد على الشر، بل الصمت، وهذا ضبط كامل للنفس. ()
مقابلة الشر بالخير، وهذا هو المستوى المسيحى، أعلى الدرجات. ()
ع 39 : ينبهنا المسيح إلى عدم اضطراب القلب، فيرد على الشر بشر آخر، لأنه إن امتلأ
القلب بالمحبة، يلتمس العذر للآخر، فلا ينزعج من الإساءة الخارجية على الجسد، أى اللطمة.
وليس المقصود المعنى الحرفى فى اللطم، لأن الإنسان يُل َ طم على خده الأيسر وليس الأيمن، إلا
إذا كان الضارب أعسر، أى يستعمل يده اليسرى، فتقع اللطمة على الخد الأيمن. ولكن المقصود
المعنى الروحى، وهو التسامح و الاحتمال، بل الاستمرار فى الاحتمال بقبول لطمة ثانية، أى إساءة
ثانية.
ع 40 : يعطى مثالا آخر فى الاحتمال والتسامح، وهو إذا حدثت مشاجرة، وحاول الآخر
اغتصاب ثوبك.
"الثوب": هو اللباس الداخلى مثل جلباب، والشريعة تقضى بألا يأخذه أحد لأنه غطاء
.(27 -26 : الفقير (خر 22
"الرداء": هو العباءة الخارجية، وهو أغلى ثمنا.
وبذلك نقابل الظلم بالحب، وعطاء أكبر مما كان يريده الظالم، مهما كان الظلم شديدا،
فيخجل الظالم ويهدأ غضبه. وهذا لا يمكن أن يتم إلا من قلب ممتلئ بالمحبة والشبع من الله، فيتنازل
بسهولة عن الماديات، حتى لو ظن الآخر فى البداية أنه كسب شيئا منه واستغله، لكنه يقف مبهورا
أمام هذا الحب العجيب، فهو بشارة صامتة تقدمها للأشرار حتى يتوبوا، واثقا من أن الله يعوضك
أضعاف وأضعاف، ليس فقط فى السماء، بل وعلى الأرض أيضا، لأن وعده واضح: "ليس أحد
ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امراة أو أولادا أو حقولا لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا
.(30 -29 : ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان... وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية" (مر 10
ع 41 : السُّخرة: هى العمل بدون أجر. فإن أجبرك أحد على عمل، قدّم له خدمة أكبر،
فتكسبه بمحبتك، وتنال بركات سمائية.
الميل الثانى: هو الحب، الذى تطفئ به شر وظلم الآخرين.
ع 42 : إن وجدت إنسانا محتاجا طلب منك، فأعطه. وهذا تنازل عن محبة المال، وإحساس
بالآخر، وعدم النظر إليه كطامع، فقد يكون طمعه نتيجة إحساسه بالحرمان، فاحتمله.
وقد يكون خجلا من أن يستعطى منك، فيطلب قرضا وهو غير قادر على رده، فلا تطالبه،
بل اتركه له كعطاء محبة منك.
وطبعا، كل هذا على قدر المحبة التى فى قلبك. فإن لم تكن قادرا على هذه المحبة، فعلى الأقل
احتمله وسامحه. ولا تكن أنانيا شحيحا فى عطائك، لأن الله قال بوضوح: "طوبى للرحماء، لأﻧﻬم
.( يُرحمون" (ع 7
إن آمنت بالحب، تستطيع أن تطفئ كل لهيب الشر فى المحيطين بك، فالحب أقوى من الكراهية.
أشفق بمحبتك على الغضوبين والطامعين، فهم مرضى محتاجون للدواءٍ الذى هو الحب، سواء
باحتمالهم والصلاة لأجلهم، أو التكلم معهم بلطف عوض كلماﺗﻬم السيئة، أو تقديم خدمات
لهم؛ ولا تستطيع أن تحتملهم وتحبهم، إلا إذا امتلأ قلبك بمحبة الله.
فاهتم بعلاقتك الروحية بالله، واطلب معونته، فتستطيع أن تفيض حبا منه على الآخرين.
:(48- 10 ) محبة الأعداء (ع 43 )
43 - "سمعتم أنه قيل: تحب قريبك، وتبغض عدوك. 44 - وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم،
باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصَلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
45 - لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار
والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. 46 - لأنه، إن أحببتم الذين يحبونكم، فأى أجر لكم، أليس
العشارون أيضا يفعلون ذلك 47 - وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأى فضل تصنعون، أليس
العشارون أيضا يفعلون هكذا 48 - فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذى فى السماوات هو
كامل."
ع 43 : "قريبك": فى نظر الفرّيسيّين هو اليهودى، أما تفسير المسيح فهو كل إنسان كما فى
.(37 -30 : مثل السامرى الصالح (لو 10
أمرت الشريعة فى العهد القديم بمحبة القريب، حتى يخرج الإنسان من أنانيته، ويحب أقرباءه
والمقربين إليه.
"تبغض عدوك": هى إضافة من الفرّيسيّين لم تقررها الشريعة، ولعلهم استنتجوا هذا من أمر
الله بإبادة الأشرار من أرض الميعاد، أى إزالة الشر.
.(5 -4 : ومع هذا، فالشريعة أقرت بمساعدة العدو إن وقع حماره تحت حمله (خر 23
وأمرت أيضا ألا يكره الأدومى لأنه قريبه، ولا المصرى لأنه كان نزيلا عنده، مع أﻧﻬم من ألد
.(7 : الأعداء الذين أذلّوهم وحاربوهم (تث 23
ع 44 : مع النضج الروحى فى العهد الجديد، طالبت الشريعة بمحبة الأعداء، لأن طبيعتهم
خلقها الله نقية، والشر الذى فيهم دخيل عليهم من إبليس. فلا ننظر إليهم كأشرار، بل كمرضى
محتاجين للمحبة والشفقة، فنباركهم بالكلمات الطيبة، فتسكت كلمات الشر التى على أفواههم.
وبعمل الخير معهم، ﺗﻬدأ قلوﺑﻬم. ونصلى لأجلهم، حتى يرفع الله عنهم أفكارهم الردية، وﺑﻬذا
نكسبهم لنا أصدقاء فى الإيمان والمحبة.
"باركوا": فلا تقتصر المحبة على المشاعر الداخلية، بل تخرج فى كلمات طيبة ومشجعة.
"أحسنوا": وترتبط المحبة أيضا بتقديم خدمات وإحسانات للساقطين فى قضية البغضة لنا.
"صَلّوا": وهى أقل درجة فى المحبة أو الوسيلة التى لا يمكن منعها، لأن من يعادينا قد يرفض
الحديث معنا أو قبول خدماتنا، ولكنه لا يستطيع منعنا من أن نصلى إليه، مهما كان اضطهاده لنا.
ع 45 : "أبناء أبيكم": الله محبة، ودليل بنوتنا، أن نحب كل أحد بما فيهم الأشرار والمسيئين.
ﺑﻬذه المحبة، نتشبّه بالله الذى أحبنا ومات لأجلنا على الصليب، نحن الذين عصيناه
وتحديناه وصلبناه.
والله مستمر فى عطائه لكل البشر، سواء المؤمنين به أو الرافضين إياه، فهو يشرق بشمسه
على الكل، وأمطاره تروى الكل.
وقد استخدم الشمس والمطر لأجل نفعهما لكل البشر، ولأﻧﻬما فى السماء فيرمزان لعطايا الله
العلوية.
إن كان الله ينير ويشبع الكل، فقدم محبتك لكل من تقابله، وَانْسَ ذاتك، محتملا الآلام لأجل
المسيح، مهما أساء إليك الآخرون.
47 : "العشارون": هم جامعو الضرائب الرومانية، ويتصفون بالطمع والقسوة، - ع46
فكانوا أردأ جماعة فى اﻟﻤﺠتمع، ويرتبط اسمهم بالخطاة.
يعلن المسيح بوضوح أن محبتنا لمن يحبنا شىء عادى، يشترك فيه معنا الأشرار، الذين يمثلهم
العشارون المتصفون بالقسوة والطمع. ولكن تميزنا كمسيحيين، هو أن نحب ونعطى السلام،
ونعمل الخير مع من يسىء إلينا ويعادينا.
"سلّمتم": كانت الشريعة تقضى بعدم السلام على الأمم، وتقصره على اليهود، وﺑﻬذا يظهر
قصور المحبة وعدم اتساعها لتشمل كل البشر، فأوصت شريعة العهد الجديد بمحبة الكل.
ع 48 : "كونوا أنتم كاملين": أى اسعوا نحو الكمال.
يؤكد المسيح أن هذا هو كمال المحبة، أى محبة الأعداء، فنصير أبناء الله الكامل، وهو يدعونا
للسعى نحو الكمال الذى لا يمكن الوصول إليه تماما، ولكن الله يفرح ﺑﻬذا السعى لأنه هو الكامل،
فيكون هذا سعيا نحوه.
استكمال الناموس التطويبات العظة على الجبل
:(2- 1) مقدمة العظة على الجبل (ع 1
ولما رأى الجموع، صعد إلى الجبل. فلما جلس، تقدم إليه تلاميذه. 2- ففتح فاه وعلمهم
قائلا:
ع 1: تكاثرت الجموع خلف المسيح، فخرج ﺑﻬم إلى الجبل ليحدثهم بكلامه المحيى.
والجبل يشير روحيا إلى الارتفاع عن الماديات، والقوة والثبات الروحى. وتكلم معهم فى
خطاب طويل استغرق ثلاثة أصحاحات، ويُعتبر دستورا للمسيحية فيه أهم تعاليمها. وقد
اقترب منه تلاميذه لمحبتهم فيه.
"صعد": كان هناك جموع كثيرة تتبع المسيح، وهى التى ُذكرت فى ﻧﻬاية الأصحاح السابق.
وحتى يسمعوه ويروه بوضوح، صعد مسافة صغيرة على الجبل وجلس، واقترب منه تلاميذه. أما
باقى الجموع، فجلست أمامه على الأرض فى الوادى المتسع؛ وهذا الجبل هو أحد الجبال القريبة من
َ كفْرَنَاحُومَ فى الجليل.
ع 2: بدأ المسيح يتكلم ويعلم الجموع بكلام مباشر، وهذه العظة هى من أشهر عظاته. وقد
يكون كرر بعض معانيها فى مناسبات أخرى، ولكنها - من أهميتها - تُعتبر دستورا
للمسيحية. وقد كانت عظته بمثابة تفسير للناموس، مضيفا إليه كمال الحياة المسيحية، فما جاء
.( لينقض الناموس بل ليكمله (ع 17
:(12- 2) التطويبات وھى الغبطات أو البركات (ع 3 )
-3 "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات. 4 - طوبى للحزانى، لأﻧﻬم
يتعزون. 5- طوبى للودعاء، لأﻧﻬم يرثون الأرض. 6 - طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأﻧﻬم
يشبعون. 7 - طوبى للرحماء، لأﻧﻬم يُرحمون. 8- طوبى للأنقياء القلب، لأﻧﻬم يعاينون الله. 9 - طوبى
لصانعى السلام، لأﻧﻬم أبناء الله يُدعون. 10 - طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت
السماوات. 11 - طوبى لكم إذا عيَّروكم وطردوكم، وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى
كاذبين. 12 - افرحوا وﺗﻬللوا، لأن أجركم عظيم فى السماوات، فإﻧﻬم هكذا طردوا الأنبياء
الذين قبلكم."
ع 3: بدأ المسيح حديثه بتشجيع أولاده ومدحهم، ليجاهدوا فى حياﺗﻬم الروحية، فأظهر لهم
المكافأة، ليتحمسوا للعمل الروحى.
وأول مدح كان "المساكين بالروح"، أى المتضعين، لأن الاتضاع هو أساس كل فضيلة، كما
أن الكبرياء هو الخطية الأولى التى أسقطت آدم، وأيضا الشيطان. وبالتالى، فالمتضع يضمن ملكوت
السماوات الأبدى بحلول الله فى قلبه بملكوته الروحى، فيفرح ويتمتع كل حين.
ع 4: ثم يمدح الحزانى على خطاياهم، أى التائبين، ومن يحزنون على خطايا الآخرين،
فيصّلون لأجلهم، لأن الله يعطيهم سلاما فى قلوﺑﻬم فى هذه الحياة، ثم تعزيات سماوية وأمجاد فى
الأبدية.
ومن أجل هذا، أحب أولاد الله الدموع والندم على الخطية، ليحيوا فى البر بقلوب رقيقة،
تشعر بحنان الله وغفرانه، وتشكره كل حين. وهذا الحزن طبعا غير الحزن على فقدان الماديات، أو
عدم الحصول عليها، فهذا حزن باطل ينبغى التحرر منه.
ع 5: إذ يتحلّى الإنسان بالتوبة، ﺗﻬدأ نفسه، فيصير وديعا فى داخله لا ينفعل لأى مكسب أو
خسارة. وعلى قدر قوة علاقة الروح بالله، يهدأ الجسد وتُرَوَّضُ طاقاته؛ وقد قدّم المسيح نفسه مثلا
أعلى فى الوداعة لنتعلم منه.
ويظن البعض أن الوديع يخسر حقوقه فى هذه الحياة، لكن الله يعد الودعاء بوراثة الأرض.
والمقصود ب "الأرض"، ليس فقط الأرض الجديدة فى ملكوت السماوات، بل أيضا الأرض
التى نعيش عليها، إذ أن الوديع يحبه الجميع وتزداد بركات الله له، المادية بالإضافة إلى الروحية، فلا
يحتاج لأى شىء مادى.
وترمز الأرض أيضا للجسد، الذى يخضع للروح، فيصير هيكلا للروح القدس.
وكذلك ترمز الأرض للأشرار، الذين يتحولون عن طبعهم الشرير بمخالطة الودعاء، وﺑﻬذا
يكسبوﻧﻬم للمسيح.
ع 6: "البر": هو الصلاح والأعمال الحسنة، وكل حياة فى الله. وكمال البر هو المسيح،
فالجوع والعطش إليه هو الشعور بالاحتياج المستمر للامتلاء به. وكما كان بنو إسرائيل فى البرّية،
يشبع الله جوعهم بالمن من السماء ويروى عطشهم بالماء من الصخرة، مانحا إياهم الحياة فى البرّية
القاحلة، كذلك المسيح هو حياتنا التى لا نستطيع أن نعيشها بدونه. ومن يطلب المسيح، لابد أن
يشبع ويمتلئ بفرح.
وهذا الجوع والعطش، يدفع الإنسان للنمو فى الحياة الروحية بالطموح والاقتراب المتزايد من
الله، وانتهاز كل فرصة لمعرفته بالصلاة والقراءة والتأمل، وفوق الكل التمتع بالأسرار المقدسة.
ع 7: الرحمة: هى الإحساس بالآخر، ووضع نفسك مكانه، فتعطيه، ليس فقط الاحتياجات
المادية أو العاطفية، بل المشاركة، فتأكل وتتحرك وتفكر معه، كما فعل المسيح إذ تجسد، وشاركنا
طبيعتنا كلها ما خلا الخطية وحدها. وتذ ّ كر أن المسيح هو من تصنع معه الرحمة، لأنه دعا المحتاجين
"إخوته"، وما نفعله معهم كأننا فعلناه معه. ومكافأة الرحمة أننا ننال مراحم الله فى حياتنا وخاصة فى
.(46 -34 : 42 ، ص 25 : الضيقة، ثم فى النعيم الأبدى (راجع ص 10
ع 8: "القلب": يمثل داخل الإنسان وأعماقه ومشاعره ونياته، ونقاوته معناها تجرده من كل
شهوة شريرة، وكل انشغال عالمى عن محبة الله، إذ يصير القلب مهيًّأ لسكنى الله بالنقاوة، ويستطيع
أن يعاين الله ويشعر أنه بداخله ومعه فى كل شىء، ليس بالرؤية أو السماع الحسى، بل بالإحساس
الروحى، لأنه أعمق من الأمور الحسية، ومشبع للنفس جدا؛ وكل الصفات السابقة تجتمع معا
لتؤهل النفس للنقاوة التى ﺑﻬا نعاين الله.
ع 9: "السلام": هو استقرار القلب وراحته وفرحه. وصنع السلام يكون مع النفس فأحيا
فى سلام، وهذا يستلزم التنازل عن كل ما يقلق من شهوات ردية وأطماع أرضية، بل والاستعداد
للتنازل عن جميع الحقوق والاحتفاظ بالحق الأهم، وهو السلام الداخلى.
وإذا اكتسبنا سلامنا، نستطيع أن نصنع سلاما مع الآخرين بالحب والصلوات لأجلهم،
ومساعدﺗﻬم على الخروج من متاعبهم، حتى وإن احتملناهم كثيرا لأﻧﻬم مساكين فاقدين سلامهم.
والسلام هو الخضوع لله، إله السماء، الذى يمنحه كهبة للذين يحبونه. وقد صنع
سلاما بين الأرض والسماء، ومصالحة بينهما، بدمه على الصليب. فإن سعينا فى طلب
السلام، نكون بالحقيقة أبناء له.
12 : التطويب الثامن والأخير، ينتج من كل الصفات السبعة السابقة، - ع 10
وهو احتمال الاضطهادات من أجل الحياة النقية والأمانة، ومن أجل طاعة المسيح ووصاياه.
ويعدنا الرب، مقابل الآلام المحدودة فى هذه الحياة، بأمجاد ملكوت السماوات التى لا تنتهى.
"البر": أى الصلاح وأعمال الخير والحياة مع الله، وهذا شرط للمكافأة السماوية، لأنه لو
أساء الناس إلينا ليس لبرنا، بل لأخطاء صنعناها، فهذا جزاؤنا الطبيعى.
"عيَّروكم": أى استهزأوا بكم وبمسيحكم وبكل معتقداتكم وسلوككم المستقيم.
"كل كلمة شريرة": وهى اﺗﻬامات باطلة يدعيها الأشرار عليكم، كما فعلوا أيام الاضطهاد
الرومانى، وفى كل جيل.
"افرحوا وﺗﻬللوا": لأنكم شاركتم المسيح فى آلامه، وللأمجاد السماوية التى تنتظركم
عوض كل ما احتملتموه.
"عظيم": ليُظهر مقدار البركات السماوية التى لا يُعَبَّرُ عنها.
ويدعونا للثقة فى سلوكنا البار، مهما كانت تشكيكات وادعاءات الأشرار التى نحتملها،
عالمين أﻧﻬا طريقنا لننال أجرنا السمائى، خاصة وأن كل الأنبياء والقديسين احتملوا لأجل الله،
فالاحتمال شرط أساسى لنوال الملكوت.
ونصوص هذه التطويبات هى صفات الإنسان المسيحى، التى لا يُستغنَى عن أحدها
لنوال المكافآت الثمانية.
وأمامنا مثلنا الأعلى، المسيح، لنجد التطبيق العملى لكل هذه الصفات فيه.
إن كنت تبغى السعادة، وتشتاق أن تصل إلى الملكوت، فلابد أن تقتنى الفضيلة، وتتعب
لتقتنيها، فتفرح بسكنى المسيح فيك.
افحص حياتك، لتعرف الخطية المتكررة التى تعانى منها، واسْعَ لاقتناء الفضيلة المقابلة لخطيتك.
فإن كنت تعانى من الكبرياء، تعلم الاتضاع. وإن كنت محاربا بالنجاسة، فأنت محتاج
للطهارة... وإرشادات أب اعترافك تفيدك كثيرا فى هذا الأمر.
:(16- 3) رسالة المسيحى (ع 13 )
13 - "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح، فبماذا يُمَلَّحُ لا يصلح بعد لشىء، إلا لأن
يطرح خارجا، ويداس من الناس. 14 - أنتم نور العالم، لا يمكن أن تُخَْفى مدينة موضوعة
على جبل. 15 - ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضىء لجميع الذين
فى البيت. 16 - فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكى يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذى
فى السماوات."
ع 13 : شبه المسيح أولاده بالملح الذى يملح الأرض، أى البشر الأرضيين المرتبطين بالعالم.
ويتميز الملح بذوبانه فى الطعام، فيعطى مذاقا أفضل، دون أن يلغى طعمه الأصلى، مثل المسيحى
الذى يؤثر فى الآخرين فيصيروا فى حياة أفضل، ولا يفقدوا شخصياﺗﻬم الخاصة.
والملح رخيص ومنتشر فى العالم كله بسهولة، مثل المسيحى المتضع الذى تنتشر خدمته لكل
إنسان. والملح أبيض اللون، فيرمز للنقاوة والطهارة. ويستخدم أيضا فى حفظ الأطعمة من الفساد،
كما أن المسيحى يحفظ نفسه ومَن حوله ويثبتهم فى الحياة مع الله.
المشكلة الحقيقية، هى أن يفسد الملح الذى نعتمد عليه فى إصلاح الجميع. ومتى يفسد الملح
1) إذا اختلط بمواد غريبة، فيضعف تأثيره، مثل اختلاط المسيحى بالأشرار وتأثره ﺑﻬم. )
دخول رطوبة عليه فتضعف ملوحته، وهذا يرمز للتنعم والتلذذ براحة الجسد، وشهوات ()
الحياة الفاسدة.
إذا اختلط بالماء ومر فيه تيار كهربائى، يتحول إلى مواد ضارة مثل الصودا ()
الكاوية، وهذا يرمز لخضوع المسيحى لقوى العالم الشريرة، مثل التعلق بمحبة المال
والشهوات المختلفة، فتملأ قلبه وتغيّره عن طبعه، ويصبح ضارا ومفسدا للمحيطين به
الذين يرونه قدوة، فيصبح مُعثرا لهم.
حينئذ تظهر مشكلة، ألا وهى: بماذا نُملّح أو نصلح الآخرين ومن ناحية أخرى: ماذا نصنع
ﺑﻬذا الملح الفاسد إنه فقد عمله وهدف وجوده فى الحياة، فلا ينتظره إلا أن يُلقَى خارج الملكوت،
ويعانى آلام الدوس، أى العذاب الآبدى، والسحق الذى لا ينتهى.
ع 14 : يشبّه المسيحى بالنور الذى وظيفته أن ينير للآخرين، وهو يتميز بما يلى:
1) يرشد الآخرين فى طريق حياﺗﻬم. )
يكشف لهم الشر وكل ما يضرهم ليبتعدوا عنه. ()
يساعدهم على عمل الخير، فالعمل يكون فى النور وليس فى الظلمة. ()
النور قوى، لا يخاف الظلام، أى الشر، بل إن الظلمة ﺗﻬرب منه. ()
فلابد أن يكون المسيحى فى سمو حياة روحية كمدينة مبنية على جبل، لا يمكن إخفاء نورها،
مثل القمر الذى يضىء العالم بنوره العاكس لضوء الشمس التى هى الله، فهو يطالبنا أن ننير العالم
كله بحياتتنا الصالحة.
ع 15 : يشبّه أيضا حياة المسيحى بسراج (مصباح أو قنديل) فى بيت، الهدف منه إنارة هذا
البيت، ويوضع على منارة أو مكان مرتفع ليصل نوره إلى كل أرجاء البيت؛ ومن غير المنطقى أن
يوضع فوق السراج مكيال ليخفى ضوءه.
"المكيال": هو وعاء ذو فوهة ضيقة وقاعدة أكبر، يستخدم لتعيين حجم الحبوب عند بيعها،
فإذا وُضع فوق السراج يخفى ضوءه تماما. وهو يرمز للماديات والقياسات العقلية، وهموم العالم التى
تمنع انطلاق النور ’’نور عمل الروح القدس فينا‘‘ ليضىء للآخرين.
ع 16 : يطالبنا بالقدوة للآخرين فى الأعمال الصالحة، فيروا المسيح فينا، وعمل روحه
القدّوس، فيمجدوا الله وينجذبوا للحياة معه، ولا يكون غرضنا من الأعمال الصالحة الكبرياء
ومديح الناس ومجد أنفسنا، بل نسلك بالبر من أجل الله كقدوة للآخرين، فنجذب القلوب لمحبة
الله.
إن لك دور أساسى فى العالم، وهو إظهار المسيح فى كلامك وتصرفاتك فى كل مكان تذهب
إليه أو توجد فيه. فاسأل نفسك فى ﻧﻬاية كل يوم، هل أظهرت المسيح فى بيتك وعملك وكل
مكان ذهبت إليه حتى تتوب عن خطاياك وتدقق فى سلوكك، فتربح نفسك ومن حولك.
:(20- 4) تكميل الناموس (ع 17 )
17 - "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل. 18 - فإنى
الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس،
حتى يكون الكل. 19 - فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلّم الناس هكذا، يُدْعَى أصغر فى
ملكوت السماوات؛ وأما من عمل وعلّم، فهذا يُدْعَى عظيما فى ملكوت السماوات."
18 : المسيح هو الله، واضع الناموس. وبالتالى، من غير المعقول أن ينقض ما - ع 17
وضعه، ولكنه تجسد ليكمله؛ كيف
أ ) فيه تتم كل الرموز والنبوات فى العهد القديم، كما يذكر متى الإنجيلى هذه
العبارة: "ليتم ما قيل بالأنبياء..."
ب ) يتمم بنفسه كل ناموس عنا، إذ عجزنا نحن عن إتمامه، كما يقول ليوحنا
.( : المعمدان: "نكمل كل بر" (ص
ح) ي كمل الناموس فى حياتنا بقوة روحه القدّوس، فإن كنا قد عجزنا بقوتنا أن نتممه،
فالروح القدس يسندنا ويقوينا.
د ) يكمل تفاصيل الوصايا، فيعطى أسباﺑﻬا وجذورها حتى نتلافاها، فالقتل مثلا بدايته
الغضب، والزنا أوله نظرة شريرة.
"الناموس أو الأنبياء": يقصد ﺑﻬما كل أسفار العهد القديم.
"الحق": تعنى "آمين"، والمقصود تثبيت وتأكيد ما سيعلنه فى الآية.
"السماء والأرض": تعبير عن أكثر الأمور ثباتا فى العالم، لتوضيح ثبات كلام الله فى الكتاب
المقدس إلى ﻧﻬاية الدهور.
"حرف واحد أو نقطة واحدة": أى أن أصغر تعليم لا يمكن أن يتغيّر.
"حتى يكون الكل": حتى تكمل خطة الله فى خلاص أولاده يوم الدينونة، ويكمل تطبيق كل
الناموس، بتمجيد أولاد الله وعذاب الأشرار.
20 : كان الكتبة والفرّيسيّون يحفظون الناموس حرفيا، لكنهم ينقضونه بأعمالهم. - ع 19
فرغم أهمية الحرف، فإن الأهم هو تنفيذه عمليا. فمن أهمل أصغر وصية، وعلَّم بذلك، يكون أحط
وأقل إنسان فى ملكوت العهد الجديد، أى الكنيسة، وينبغى أن يتوب سريعا حتى لا يخسر أبديته.
لأن من نقض إحدى الوصايا ورفضها عمدا، يكون قد رفض الكل. أما من يخطئ بضعفه، فالتوبة
تمسح الخطايا فى سر الاعتراف.
ولكن من َقرَ َ ن تعليمه للوصايا بتنفيذها فى حياته، فهذا يدعى عظيما فى الكنيسة والملكوت
الأبدى.
ثم ينادى المسيح تابعيه أن يزيد برهم عن الكتبة والفرّيسيّين، فلا يكتفوا بحفظ حروف
الناموس، بل لابد من تطبيق وصاياه عمليا فى حياﺗﻬم، لأﻧﻬم إن لم يطبقوا الناموس لن يدخلوا
ملكوت السماوات.
"الوصايا الصغرى": هى التى تختص بالابتعاد عن شىء، أو التدقيق فى شىء صغير. فهى مهمة
مثل الوصايا الكبرى كالوصايا العشر.
الكتبة والفريسيين: كان اليهود يظنون أنه لكثرة معلومات هاتين الفئتين، أﻧﻬما أعظم مثال
للحياة مع الله، فأوضح المسيح ضرورة أن يزيد البر لأى إنسان يريد أن يخلص عن هذا البر
النظرى.
ليتك تطبق ما تقوله للآخرين فى حياتك قبل أن تعّلم به غيرك، فتختبره وتنال بركته، ويكون
كلامك أكثر تأثيرا فى سامعيك. إن كل معرفتك الروحية، الله أعطاها لك أنت أولا قبل أن
تعّلم ﺑﻬا غيرك. فاقبل كل ما تقرأه أو تسمعه للتطبيق العملى، فتخّلص نفسك ومن يسمعونك،
إذ يظهر فى حياتك سلوك مستقيم يكون قدوة للآخرين دون أن تشعر.
:(26 - 5) القتل (ع 21 )
20 - "فإنى أقول لكم: إنكم إن لم يزد ِبرُّ ُ كمْ على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت
السماوات. 21 - قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. 22 - وأما
أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا، يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رََقا،
يكون مستوجب اﻟﻤﺠمع. ومن قال يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم. 23 - فإن قدمت قربانك إلى
المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك. 24 - فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا
اصطلح مع أخيك؛ وحينئذ تعال وقدم قربانك. 25 - كن مراضيا لخصمك سريعا، ما دمت معه
فى الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضى، ويسلمك القاضى إلى الشرطى، َفتُْلَقى فى السجن.
26 - الحق أقول لك: لا تخرج من هناك حتى تُوفِىَ الَْفلْسَ الأخير."
22 : إن كانت التطويبات قد تكلمت عن الصفات الإيجابية فى الإنسان المسيحى - ع 21
ومكافآﺗﻬا، فيذكر المسيح الآن الخطايا السلبية وكيفية معالجتها، ويأخذ مثلا وصية صعبة، وهى
"لا تقتل" فيأتى بجذرها، وهو خطية الغضب، لأنه إن ابتعدنا عن الغضب، فبالطبع لن نقتل أحدا.
وقد كان الكتبة والفرّيسيّون وشيوخ اليهود يعاقبون من يقتل عمدا، أما غير المتعمد فيهرب
إلى مدن الملجأ. ولم يعطوا اهتماما بالغضب الداخلى، بل اكتفوا بتنفيذ الغضب خارجيا بالقتل.
ولكيما يوضح المسيح خطورة الغضب، قال: "إن كل من يغضب على أخيه باطلا"، أى
بسبب الأمور المادية الباطلة الزائلة، يكون مستوجبا حكم المحاكم الصغيرة التى أقيمت فى كل البلاد
اليهودية، ويقضى فيها عادة 23 قا ٍ ض من الشيوخ، وهذا الحكم يمكن استئنافه أو مراجعته فى
المحاكم العليا، وأكبرها مجمع "السنهدريم" فى أورشليم، الذى يتكون من سبعين من كبار شيوخها
رؤساء اليهود، لذا يسمى أيضا مجمع السبعين، وهو اﻟﻤﺠلس الأعلى وتتبعه كل اﻟﻤﺠالس الفرعية. كما
أنه أكبر سلطة يهودية تأخذ القرارات فى أمور اليهود الدينية، وكان كثير من الكتبة أيضا أعضاء فى
هذا اﻟﻤﺠمع.
والمقصود بالغضب هنا، غضب داخلى قلبى، دون إظهار أى تعبير عنه.
أما "من قال لأخيه رََقا"، وهى كلمة سريانية تعبّر عن الاحتقار المرتبط بالغضب، يستوجب
هذا محاكمة اﻟﻤﺠمع، أى مجمع السنهدريم الذى يتكون من كبار شيوخ أورشليم.
ولكن، إن تطاول الإنسان فى غضبه، ووصف أخيه بالحمق والغباء، فيستحق "نار جهنم".
"جهنم": مأخوذة من وادى هِنُّومَ الذى كانت تلقى فيه بقايا الذبائح، وكان يسرى فيها
الدود، ويحرقوﻧﻬا بالنار، فكانت النار لا تنطفئ فى هذا الوادى. ولذا شبّه الله العذاب الأبدى بالنار
التى لا تنطفئ، والدود الذى لا يموت، فى وادى هِنُّومَ، ولكن بطريقة روحية أكثر عذابا وقسوة.
وهنا، يظهر المسيح رفضه للغضب وخطورته، فحتى الغضب الداخلى يستوجب محاكمة أمام
الله، وبالتالى أى تعبير عنه، سيؤدى بالإنسان إلى الهلاك الأبدى.
24 : يعلن المسيح بوضوح أن الصلوات والعطايا المقدمة لله، لا تُقبَل من الإنسان - ع 23
الغضوب، أو المسئ لغيره، أو المخاصم، لأن الله يريد الصلوات المقدمة من القلب النقى المملوء
محبة.
فإن قدّم أحد اليهود قربانه كعطية لله، ثم تذ ّ كر وانتبه لوجود مخاصمة بينه وبين أحد، فلا
يكمل تقديم قربانه، بل يصطلح أولا مع أخيه، ثم يعود ويكمل تقديم قربانه، لكيما يُقبَل من الله.
"لأخيك شيئا عليك"، لم يقل لك عليه شىء، فحاسب نفسك على واجباتك قبل حقوقك.
"اترك": يوضح أهمية المصالحة وتقديم الحب قبل العبادة، لأنه إن تنقَّى القلب بالمحبة يكون
مقبولا من الله، وكذا العبادة التى يقدمها.
"اذهب": أى اهتم بمصالحة أخيك حتى لو كان مخطئا فى حقك، كما يوصى المسيح بنفسه،
.(15 : قائلا: "إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه" (ص 18
يلزم تنقية القلب من كل غضب قبل الصلاة، سواء فى مخدع بيتك أو فى الكنيسة، وخاصة عند
التناول من الأسرار المقدسة، لأن صلواتك غير مقبولة إن لم تُنَقِّ قلبك.
فأسرع لمصالحة الآخرين، حتى لو كانوا مخطئين فى حقك، فتكسبهم بالمحبة، ولا تنزعج من
كبريائهم أو قسوﺗﻬم، بل صَلِّ لأجلهم حتى يُنزَع الغضب من قلوﺑﻬم، واهتم بسلامك قبل
كل شىء.
26 : إن "خصمك" هو وصايا الله، أو ضميرك الذى يذ ّ كرك بكلام الله، أو الروح - ع 25
القدس الساكن فيك، إذ أنك صرت فى خصومة معه بسبب وقوعك فى الشر.
"الطريق": هو هذه الحياة. فإن خضعت لصوت الروح القدس والضمير، وأطعت الوصية،
مبتعدا عن الغضب والحقد وكل شر، تُنَجِّى نفسك، وتصطلح مع هذا الخصم، وإن لم تصطلح معه
بالخضوع له والتوبة، فإنه يسلمك إلى "القاضى"، وهو الله الديّان العادل فى يوم الدينونة، فيحكم
عليك بالهلاك الأبدى، ويسلمك إلى "الشرطى"، وهم الملائكة الذين يلقونك فى السجن، أى
العذاب الأبدى، و"لا تخرج من هناك حتى تُوفِىَ الَْفلْسَ الأخير" (كل ديونك حتى أصغر عملة).
ولأن خطيتك غير محدودة، إذ هى موجه لله غير المحدود، فعقاﺑﻬا غير محدود، وبالتالى، تظل فى
العذاب الأبدى.
ليتك تحترس من خطية الغضب، ولا تعطى لنفسك أعذارا لتتمادى فيها، بل أشفق على
الآخرين مهما كانت أخطاؤهم، فتحمى نفسك من نتائج الغضب الشريرة، وتستعيد سلامك،
وترجع إلى طريقك الروحى المؤدى إلى الملكوت، وتكسب نفوس من حولك.
:(30- 6) الزنا (ع 27 )
27 - "قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزن. 28 - وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة
ليشتهيها، فقد زنى ﺑﻬا فى قلبه. 29 - فإن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير
لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يُْلَقى جسدك كله فى جهنم. 30 - وإن كانت يدك اليمنى تعثرك،
فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله فى جهنم."
28 : إن الزنا هو النظر بقصد الشهوة، وهذا يولد تلذذ بالشهوة فى الفكر، الذى - ع 27
يؤدى إلى السقوط فى الفعل بدرجاته المختلفة. لذا، أراد المسيح قطع الخطية من جذورها، وهو
النظر، موضحا أنه يعتبر زنا، حتى لا يتهاون أحد فى نظرته أو أفكاره أو عواطفه، ويظن هذا شيئا
عاديا، وإلا سيتمادى ويعتبر حتى اللمسات الشريرة عادية. وإن سقط فى الزنا الكامل، قد يعذر
نفسه، فيُغلق باب التوبة أمامه، لتهاونه وتبريره للخطية.
أما أنت يا إنسان الله، فاهرب من التطلع بلا دا ٍ ع حتى لا تسقط فى المناظر الشريرة، كما يهرب
الإنسان من الثعبان أو العقرب.
30 : حيث أن الإنسان، لضعفه، معرض للسقوط بالنظر أو الفعل، يقول المسيح: - ع 29
إن سقطت فى نظرة شريرة، فاقلع عينك اليمنى التى أعثرتك وأسقطتك فى خطية الزنا. وإن
سرقت، فاقطع يدك اليمنى التى أعثرتك.
والمقصود هنا ليس المعنى الحرفى، لأنه، ما الفرق بين العين اليمنى واليسرى إلا أن اليمين
يرمز للقوة والأهمية، فيشير ﺑﻬذا إلى الصديق القريب جدا أو الشهوة المحببة، أو أى شىء عزيز لديك
مثل العين أو اليد، ينبغى الابتعاد عنه، والتنازل عن الارتباط به، حتى لا تسقط فى الخطية، ويكون
مصيرك العذاب الأبدى.
افحص يا أخى مصادر سقوطك فى الخطية، سواء الزنا أو أية خطية أخرى، وتنازل وابتعد عنها
مهما كانت غالية عندك، لتكسب خلاص نفسك وأبديتك.
:(32- 7) الطلاق (ع 31 )
31 - "وقيل: من طلق امرأته، فليعطها كتاب طلاق. 32 - وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق
امرأته إلا لعلة الزنى، يجعلها تزنى؛ ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى."
32 : "كتاب طلاق": يجلس الزوج مع أحد الكتبة، ويكتب محضر طلاق، فيعطى - ع 31
حرية للزوجة أن ترتبط بآخر.
كان العالم الوثنى يبيح الطلاق لأى سبب، خاصة اليونانيون الذين انتشر عندهم الفجور
والزنا فى معابدهم. أما عند اليهود، فكان لابد أن يراجع نفسه، ويكتب كتاب طلاق، لعله يرجع
عن قراره، إذا شعر أن امرأته ستكون لآخر، ويهدأ غضبه وضيقه.
أما المسيح، فيظهر عظمة سر الزيجة أنه اتحاد لا يمكن فصله، إلا اذا ارتبط أحد الطرفين بزنا،
فحينئذ يكون قد فصل نفسه عن الآخر وقسم هذا الاتحاد. أما من يطلق امرأته لأى سبب آخر،
يجعلها تزنى إذا ارتبطت بآخر، لأﻧﻬا ما زالت أمام الله زوجته، والزوج الجديد يعتبر زانيا لأنه تزوج
بامرأة غيره.
1) بإباحة الطلاق وكتابة : والمسيح هنا يعارض، ليس شريعة موسى المكتوبة فى (تث 24
كتاب بذلك، بل يُرجع الأمور إلى أصلها. فإن كان موسى قد اضطر، نتيجة اختلاط شعبه
بالمصريين وتعودهم الطلاق، أن يضع حدودا لهم، بأن يراجع الإنسان نفسه ويكتب شهادة بذلك.
ولكن، لم يكن هذا قصد الله حين خلق الإنسان ليتحد بالآخر فى سر الزيجة، عندما قال: "لذلك
24 )، ولم يعط سماحا : يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا" (تك 2
بالطلاق إلا فى حالة الزنا، لأنه يفصل بين جسدى الزوجين عندما يرتبط أحدهما بجسد آخر.
فلنقدّس سر الزيجة، لنرتفع عن أسباب الخلافات، ونحاول حلها بالإرشاد الروحى، والتوبة،
والالتصاق بالكنيسة.
:(37- القَسَمُ (ع 33 )
33 - "أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تَحْنَ ْ ث، بل َأوْفِ للرب أقسامك. 34 - وأما أنا فأقول
لكم: لا تحلفوا البتة، لا بالسماء لأﻧﻬا كرسىُّ الله. 35 - ولا بالأرض، لأﻧﻬا موطئ قدميه. ولا
بأورشليم، لأﻧﻬا مدينة الْمَلِكِ العظيم. 36 - ولا تحلف برأسك، لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة
بيضاء أو سوداء. 37 - بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك، فهو من الشرير."
ع 33 : سمح الله قديما لشعبه أن يقسِموا (يحلفوا) باسمه، حتى يوجه قلوﺑﻬم لعبادته، وعدم
القَسَم بالآلهة الوثنية.وما ﻧﻬاهم عنه هو الحنث، أى القسم كذبا. ومعنى ذلك، تنفيذ ما أقسموا به،
مثل النذور التى يجب الوفاء ﺑﻬا إذا ما نطق الإنسان ﺑﻬا، ووعد الله أن يتممها.
وكان الكتبة والفرّيسيّون يعّلمون أن القسم باسم الرب هو الذى ينبغى إيفاءه، أما القسم
بأى شىء آخر فيمكن الرجوع فيه. وهذا طبعا تعليم خاطئ يقاومه المسيح هنا، ويصححه فى
الآيات التالية، مُعّلما بعدم الحلف أو القسم مطلقا.
37 : فى العهد الجديد، يكمل الناموس بالنهى عن القسم، لأن اسم الله أسمى من أن - ع 34
يقال لأجل معاملات مادية، بل يذكر للعبادة ومباركة حياتنا.
"كرسىُّ الله": السماء ترمز لوجود الله نظرا لسموها وارتفاعها، فتناسب سموه.
"موطئ قدميه": الأرض والأرضيات أدنى من السماء، لذلك دُعيت موطئا لقدمى الله.
ومن ناحية أخرى، نحن لا نملك أى شىء فى العالم، بل نحن وكلاء عليه، فكيف نقسم
بشىء لا نملكه الله وحده القادر على القسم، لأنه يملك كل شىء.
ويوضح المسيح أننا لا نملك حتى شعرة واحدة من رؤوسنا، وعاجزين عن تغيير لوﻧﻬا.
وبالتالى، لا يصح أن نحلف بحياة إنسان أو أى شىء من المخلوقات التى فى العالم؛ لذا يطالبنا أن
يكون كلامنا بسيطا خاليا من القسم، أى لا نحتاج أن نثبته بالقسم، وتكون إجابتنا على الآخرين،
نعم أو لا فقط.
"نعم نعم، لا لا": أى لا نستخدم الَقسَم، ونعلن الحقائق أو موافقتنا على ما يقوله الآخرون
بكلمة نعم، أو النهى ورفض ما يناسبنا بكلمة "لا"، دون الحاجة لإثبات ذلك بكلمات القَسَم.
"من الشرير": أى أن استخدام الَقسَم هو من عمل الشيطان الشرير، فهو الذى أوجد الكذب
والغش، ويدعو الناس للقَسَم إثباتا لكذﺑﻬم.
منع الَقسَم يضبط الغضب، حتى لا يتمادى إلى قرارات ملزمة، بل هو سمة للمسيحيين فى
براءﺗﻬم. والقسم ليس دليلا على الصدق، بل يستخدمه الأشرار فى الكذب للوصول إلى أغراضهم.
دقق فى كلماتك، فيكون فيها اسم الله للبركة، وابعد عن الكذب، وبالتالى لا تحتاج إلى إثبات
أقوالك بالأقسام الباطلة. ولا تستهن باسم الله، أو حياة الناس فتُقسم ﺑﻬا باستهتار ﻟﻤﺠرد التعود
على ترديدها.
:(42- 9) مقابلة الشر بالخير (ع 38 )
38 - "سمعتم أنه قيل: عين بعين، وسن بسن. 39 - وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل،
من لطمك على خدك الأيمن، فحوّل له الآخر أيضا. 40 - ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك،
فاترك له الرداء أيضا. 41 - ومن سخّرك ميلا واحدا، فاذهب معه اثنين. 42 - من سألك فأعطه،
ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده."
ع 38 : أراد الله فى العهد القديم تثبيت فكرة العدل الإلهى، والحاجة إلى الفداء، وإن أخطأ
الإنسان يحتاج لإنسان مثله يفديه. فالعين تُفدَى بعين، والسن (مفرد أسنان) يُفدَى بسن مثله.
ولأن الخطية غير محدودة، إذ هى فى حق الله، احتاجت لفداء غير محدود، أى بموت الله المتجسد،
المسيح ألهنا.
وأراد أيضا ﺑﻬذه الوصية "عين بعين، وسن بسن"، ألا يرد الإنسان على الشر بشر أعظم منه،
بل يكفى أن يرد بشر مثلما أصابه.
هذه هى وصايا العهد القديم، لأن مستوى فهم الشعب لا يحتمل أكثر من هذا.
والإنسان فى نضجه الروحى، يتدرج فى ست درجات أمام الشر الذى يصيبه:
1) الاعتداء على الغير بالشر، وهذا هو الأسلوب الهمجى. )
مقابلة الشر بشر أعظم، لأن الآخر بدأ بالشر. ()
مقابلة الشر بشر مثله، وليس أكثر، كما فى الشريعة اليهودية. ()
مقابلة الشر بشر أقل، وهذا فيه ضبط للنفس. ()
عدم الرد على الشر، بل الصمت، وهذا ضبط كامل للنفس. ()
مقابلة الشر بالخير، وهذا هو المستوى المسيحى، أعلى الدرجات. ()
ع 39 : ينبهنا المسيح إلى عدم اضطراب القلب، فيرد على الشر بشر آخر، لأنه إن امتلأ
القلب بالمحبة، يلتمس العذر للآخر، فلا ينزعج من الإساءة الخارجية على الجسد، أى اللطمة.
وليس المقصود المعنى الحرفى فى اللطم، لأن الإنسان يُل َ طم على خده الأيسر وليس الأيمن، إلا
إذا كان الضارب أعسر، أى يستعمل يده اليسرى، فتقع اللطمة على الخد الأيمن. ولكن المقصود
المعنى الروحى، وهو التسامح و الاحتمال، بل الاستمرار فى الاحتمال بقبول لطمة ثانية، أى إساءة
ثانية.
ع 40 : يعطى مثالا آخر فى الاحتمال والتسامح، وهو إذا حدثت مشاجرة، وحاول الآخر
اغتصاب ثوبك.
"الثوب": هو اللباس الداخلى مثل جلباب، والشريعة تقضى بألا يأخذه أحد لأنه غطاء
.(27 -26 : الفقير (خر 22
"الرداء": هو العباءة الخارجية، وهو أغلى ثمنا.
وبذلك نقابل الظلم بالحب، وعطاء أكبر مما كان يريده الظالم، مهما كان الظلم شديدا،
فيخجل الظالم ويهدأ غضبه. وهذا لا يمكن أن يتم إلا من قلب ممتلئ بالمحبة والشبع من الله، فيتنازل
بسهولة عن الماديات، حتى لو ظن الآخر فى البداية أنه كسب شيئا منه واستغله، لكنه يقف مبهورا
أمام هذا الحب العجيب، فهو بشارة صامتة تقدمها للأشرار حتى يتوبوا، واثقا من أن الله يعوضك
أضعاف وأضعاف، ليس فقط فى السماء، بل وعلى الأرض أيضا، لأن وعده واضح: "ليس أحد
ترك بيتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امراة أو أولادا أو حقولا لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا
.(30 -29 : ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان... وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية" (مر 10
ع 41 : السُّخرة: هى العمل بدون أجر. فإن أجبرك أحد على عمل، قدّم له خدمة أكبر،
فتكسبه بمحبتك، وتنال بركات سمائية.
الميل الثانى: هو الحب، الذى تطفئ به شر وظلم الآخرين.
ع 42 : إن وجدت إنسانا محتاجا طلب منك، فأعطه. وهذا تنازل عن محبة المال، وإحساس
بالآخر، وعدم النظر إليه كطامع، فقد يكون طمعه نتيجة إحساسه بالحرمان، فاحتمله.
وقد يكون خجلا من أن يستعطى منك، فيطلب قرضا وهو غير قادر على رده، فلا تطالبه،
بل اتركه له كعطاء محبة منك.
وطبعا، كل هذا على قدر المحبة التى فى قلبك. فإن لم تكن قادرا على هذه المحبة، فعلى الأقل
احتمله وسامحه. ولا تكن أنانيا شحيحا فى عطائك، لأن الله قال بوضوح: "طوبى للرحماء، لأﻧﻬم
.( يُرحمون" (ع 7
إن آمنت بالحب، تستطيع أن تطفئ كل لهيب الشر فى المحيطين بك، فالحب أقوى من الكراهية.
أشفق بمحبتك على الغضوبين والطامعين، فهم مرضى محتاجون للدواءٍ الذى هو الحب، سواء
باحتمالهم والصلاة لأجلهم، أو التكلم معهم بلطف عوض كلماﺗﻬم السيئة، أو تقديم خدمات
لهم؛ ولا تستطيع أن تحتملهم وتحبهم، إلا إذا امتلأ قلبك بمحبة الله.
فاهتم بعلاقتك الروحية بالله، واطلب معونته، فتستطيع أن تفيض حبا منه على الآخرين.
:(48- 10 ) محبة الأعداء (ع 43 )
43 - "سمعتم أنه قيل: تحب قريبك، وتبغض عدوك. 44 - وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم،
باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصَلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
45 - لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار
والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. 46 - لأنه، إن أحببتم الذين يحبونكم، فأى أجر لكم، أليس
العشارون أيضا يفعلون ذلك 47 - وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأى فضل تصنعون، أليس
العشارون أيضا يفعلون هكذا 48 - فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذى فى السماوات هو
كامل."
ع 43 : "قريبك": فى نظر الفرّيسيّين هو اليهودى، أما تفسير المسيح فهو كل إنسان كما فى
.(37 -30 : مثل السامرى الصالح (لو 10
أمرت الشريعة فى العهد القديم بمحبة القريب، حتى يخرج الإنسان من أنانيته، ويحب أقرباءه
والمقربين إليه.
"تبغض عدوك": هى إضافة من الفرّيسيّين لم تقررها الشريعة، ولعلهم استنتجوا هذا من أمر
الله بإبادة الأشرار من أرض الميعاد، أى إزالة الشر.
.(5 -4 : ومع هذا، فالشريعة أقرت بمساعدة العدو إن وقع حماره تحت حمله (خر 23
وأمرت أيضا ألا يكره الأدومى لأنه قريبه، ولا المصرى لأنه كان نزيلا عنده، مع أﻧﻬم من ألد
.(7 : الأعداء الذين أذلّوهم وحاربوهم (تث 23
ع 44 : مع النضج الروحى فى العهد الجديد، طالبت الشريعة بمحبة الأعداء، لأن طبيعتهم
خلقها الله نقية، والشر الذى فيهم دخيل عليهم من إبليس. فلا ننظر إليهم كأشرار، بل كمرضى
محتاجين للمحبة والشفقة، فنباركهم بالكلمات الطيبة، فتسكت كلمات الشر التى على أفواههم.
وبعمل الخير معهم، ﺗﻬدأ قلوﺑﻬم. ونصلى لأجلهم، حتى يرفع الله عنهم أفكارهم الردية، وﺑﻬذا
نكسبهم لنا أصدقاء فى الإيمان والمحبة.
"باركوا": فلا تقتصر المحبة على المشاعر الداخلية، بل تخرج فى كلمات طيبة ومشجعة.
"أحسنوا": وترتبط المحبة أيضا بتقديم خدمات وإحسانات للساقطين فى قضية البغضة لنا.
"صَلّوا": وهى أقل درجة فى المحبة أو الوسيلة التى لا يمكن منعها، لأن من يعادينا قد يرفض
الحديث معنا أو قبول خدماتنا، ولكنه لا يستطيع منعنا من أن نصلى إليه، مهما كان اضطهاده لنا.
ع 45 : "أبناء أبيكم": الله محبة، ودليل بنوتنا، أن نحب كل أحد بما فيهم الأشرار والمسيئين.
ﺑﻬذه المحبة، نتشبّه بالله الذى أحبنا ومات لأجلنا على الصليب، نحن الذين عصيناه
وتحديناه وصلبناه.
والله مستمر فى عطائه لكل البشر، سواء المؤمنين به أو الرافضين إياه، فهو يشرق بشمسه
على الكل، وأمطاره تروى الكل.
وقد استخدم الشمس والمطر لأجل نفعهما لكل البشر، ولأﻧﻬما فى السماء فيرمزان لعطايا الله
العلوية.
إن كان الله ينير ويشبع الكل، فقدم محبتك لكل من تقابله، وَانْسَ ذاتك، محتملا الآلام لأجل
المسيح، مهما أساء إليك الآخرون.
47 : "العشارون": هم جامعو الضرائب الرومانية، ويتصفون بالطمع والقسوة، - ع46
فكانوا أردأ جماعة فى اﻟﻤﺠتمع، ويرتبط اسمهم بالخطاة.
يعلن المسيح بوضوح أن محبتنا لمن يحبنا شىء عادى، يشترك فيه معنا الأشرار، الذين يمثلهم
العشارون المتصفون بالقسوة والطمع. ولكن تميزنا كمسيحيين، هو أن نحب ونعطى السلام،
ونعمل الخير مع من يسىء إلينا ويعادينا.
"سلّمتم": كانت الشريعة تقضى بعدم السلام على الأمم، وتقصره على اليهود، وﺑﻬذا يظهر
قصور المحبة وعدم اتساعها لتشمل كل البشر، فأوصت شريعة العهد الجديد بمحبة الكل.
ع 48 : "كونوا أنتم كاملين": أى اسعوا نحو الكمال.
يؤكد المسيح أن هذا هو كمال المحبة، أى محبة الأعداء، فنصير أبناء الله الكامل، وهو يدعونا
للسعى نحو الكمال الذى لا يمكن الوصول إليه تماما، ولكن الله يفرح ﺑﻬذا السعى لأنه هو الكامل،
فيكون هذا سعيا نحوه.