الإصحاح الخامس
آية (1): "قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي أكلت شهدي مع عسلي شربت خمري مع لبني كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء."
في آخر الإصحاح السابق دعت العروس عريسها ليأتي إلى جنته وها هو قد استجاب فوراً ونزل إلها فهو يشتهي هذا. مرى مع طيبي= المر يشير للصليب أما الطيب فيشير للدفن في القبر وكأن أحداث الخلاص ممتدة في حياة عروسه، فهو يرى أن كأس المر الذي تشربه إنما هو كأسه. أكلت شهدي مع عسلي= كأنه دخل أرض الميعاد ووجد في عروسه راحته، فهي أرض الميعاد بالنسبة له، كل ما فيها حلو. شربت خمري مع لبني= الخمر هو خمر الحب واللبن هو لبن الإيمان البسيط عديم الرياء (2تي5:1). وهذا الإيمان ناشئ من تعاليم صحيحة شربناها من كلمة الله. كلوا أيها الأصحاب= هم السمائيين "يصير فرح في السماء بخاطئ يتوب".
آية (2): "أنا نائمة وقلبي مستيقظ صوت حبيبي قارعاً افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل."
يبدو أن الحالة الروحية لا تسير على وتيرة واحدة. فها هي قد عادت ونامت ولم تستطع أن تسهر معه ساعة واحدة "هكذا الإنسان دائماً يميل للتراخي في حب الله بالرغم من كل ما يقدمه له الله "للأسف محبتنا فاترة بالرغم من كل ما عمله ويعمله لنا. ولكن يحسب لهذه النفس أن قلبها مستيقظ= ولأن الله رأى قلبها أنه مازال مستيقظاً فهو لن يكف عن نداءه عليها. بل ينزل ليقرع على بابها ولكنه لا يقتحم النفس اقتحاماً فالله يحترم حريتنا، هو ينادي ليفتح وإن استجبنا وفتحنا يدخل (رؤ20:3+ يو20:6). ولأن قلبها كان مستيقظاً كانت تسمع صوت حبيبها قارعاً (رؤ20:3). ومن يسمع هذا الصوت هو من يكون قلبه مستيقظاً.
تعليق: نحن أمام حالة فتور وليست حالة موت روحي، إنسان أهمل خلاص نفسه ولا يهتم بهذا. قد يكون بسبب سعيه وراء شهوة عالمية.. الخ ولكن ما زال ضميره حياً. ولكن هناك من يصل لدرجة الموت، موت الضمير فيشرب الإثم كالماء. ولكن حتى هذا فالمسيح قادر أن يقيمه كما أقام لعازر. ودليل أن هذه النفس لها ضمير مازال حياً أنها تحركت حينما عرفت أن الله غاضب منها وحين رأت جراحاته. ولكن مثل هذه النفس تكون إرادتها ضعيفة، ولذلك يوقظها الله بأن يقرع على بابها. ونلاحظ كلمات التشجيع للنفس يا أختي يا كاملتي فالله لا يوبخ= "أيوب رجل كامل" رأسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل= هذه إعلان للنفس أن فتورها سبَّب له هذه الآلام، فالليل يشير لخطايانا، وهو حمل خطايانا على رأسه (إش4:53،5) وهذه النفس في الليل، ليل العالم وليل الضيقات والأحزان وليل الفتور والخطية وقد دخل عريسها هذا الليل من أجلها وحمل أحزانها وحمل الغضب الإلهي.
آية (3): "قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما."
يا لها من أعذار واهية تقدمها النفس في فتورها الروحي وتنشغل براحة جسدها. خلعت ثوبي= لقد ألبسها الله ثوب البر "البسوا الرب يسوع" + (لو22:15+ غل27:3). غسلت رجليّ= غسلتهما بماء برها الذاتي ليستريح ضميرها إلى حين ولكن لغفران الخطية لابد من غسل القدمين بواسطة الرب (يو8:13).
آية (4): "حبيبي مد يده من الكوة فأنت عليه أحشائي."
من الكوة= كان للبيوت في ذلك الوقت فتحة فوق القفل لإدخال المفتاح، وتتسع لإدخال اليد، وكانت توجد فتحة أخرى يطل منها الساكن ليتكلم ويرى القارع (شراعة). حبيبي مد يده= التي بها أثار الجراحات. ولما رأتها أنت فيها أحشائها حينما مد يده أي أظهر آلامه وأدركت العروس أن كل هذا بسببها تحركت عواطفها نحوه.
آية (5): "قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مراً وأصابعي مر قاطر على مقبض القفل."
قمت لأفتح= لقد استجابت كما استجاب الابن الضال. ويداها تقطران مراً= المر طعمه مر ورائحته حلوة. فهي راجعة بتغصب بعد استهتار وفتور، عادت بدموع توبتها الحقيقية وفيها ألم وتغصب للنفس، فيها قبول لأن تموت مع المسيح تاركة لذات العالم وشهواته الخاطئة. ولكن هذا الألم وهذا الصليب له رائحة طيبة أمام الله. ولكن حالة التغصب لا تستمر كثيراً، والشعور بالحرمان من لذة الخطايا لا يستمر كثيراً وسرعان ما يعزي الله النفس فتكتشف أن ما تركته ما هو إلا نفاية بجانب معرفة المسيح. ولاحظ أنها تغصبت ومنعت نفسها عن ملذاتها= يداها تقطران مراً= وهذا التغصب اشتمه الله كرائحة حلوة.
آية (6): "فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر نفسي خرجت عندما أدبر طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني."
تحول وعبر= هنا الله يؤدب النفس على تراخيها لأنها استهانت بمراحمه فالنفس التي تعرف أن الله رحيم فتصنع الشر وتقول أن الله سيغفر لو قلت له ارحمنى، مثل هذه النفوس المستهترة حين تعود لله يشعرها الله بالتخلي= دعوته فما أجابني. بل ربما يسمح لها الله بضربة تأديب حتى تستيقظ مثل سماحه بمرض أو فشل في مشروع ما. ولكن تخلى الله يكون إلى حين.. لا تتركني إلى الغاية (مز8:119). وأمام هذا الموقف، حين تشعر النفس أن صلواتها غير مقبولة وأنها لا تجد الله، هناك موقفان [1] أن تلوم النفس الله على تخليه فتزداد قساوة القلب وينحرف الإنسان بالأكثر. [2] أن يلوم الإنسان نفسه ويقول "أنا السبب يا رب" ويقدم توبة، ويكتشف أنه بدون الله هو لا شئ، وفي منتهى الضعف فتزداد صلواته للبحث عن الله ويتخلى عن بره الذاتي ولا يعود يقول "غسلت رجليّ" بل يقول "إغسل يا رب رجليّ واغفر وغطيني بدمك" إذاً هذا الترك والتخلي كان فيه محبة وعناية إلهية. وهذه النفس التي أمامنا (عروس النشيد) أتخذت الموقف الثاني فعادت لمكانتها.
آية (7): "وجدني الحرس الطائف في المدينة ضربوني جرحوني حفظة الأسوار رفعوا إزاري عني."
الحرس الطائف= هنا تفسيرين لمن هم الحرس الطائف.
1-هم الشياطين: الذين إذ أحسوا أن حبيبها تحوَّل وعبر، ضربوها وجرحوها ورفعوا إزارها أي عروها. هنا الله تركها لتتذوق مرارة استهتارها فالله لا يريد تدليل النفس. وهذا درس لكل واحد، فحين لا يكون عريسنا معنا نصبح فريسة سهلة للشياطين التي تضرب وتجرح وتفضح. ولكن نلاحظ أيضاً خطأ آخر لهذه النفس فهي خرجت تبحث عن عريسها مرة أخرى وسط الشوارع بينما هو في داخلها.
2-هم خدام الله: الذين بسيف كلمة الله فضحوا برها الذاتي وكشفوا لها خطيتها أي فضحوها، حتى تكتشف احتياجها للمسيح وتقدم توبة صادقة.
آية (: "أحلفكن يا بنات أورشليم أن وجدتن حبيبي أن تخبرنه بأني مريضة حباً."
لم يكن التأديب والترك وسماح الله للشياطين أن تضرب بلا سبب، فكل الأمور تعمل معاً للخير.. لتكميل الإنسان.. وها هي عادت مريضة حباً أي حبها عاد كالأول.
آية (9): "ما حبيبك من حبيب أيتها الجميلة بين النساء ما حبيبك من حبيب حتى تحلفينا هكذا."
هذه النفس التائبة تحولت إلى كارزة (مثل السامرية) فحين ظهر حبها لعريسها سألها الآخرون ما حبيبك= أي اخبرينا عنه، من هو ولماذا تحبينه هكذا "لكي تكونوا مستعدين لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم" (1بط15:3). هذا السؤال يوجه مثلاً للشهداء، لماذا تموتون هكذا من أجل المسيح!
وهنا يسميها أصحابها الجميلة بين النساء= فالرب يجعل كنيسته جميلة في أعين الآخرين. ونلاحظ أهمية الخبرة الشخصية في الكرازة.
آية (10): "حبيبي أبيض وأحمر معلم بين ربوة."
أبيض= اللون الأبيض يشير للطهارة والبر، لذلك قال المسيح "من منكم يبكتني على خطية" والبياض كانت ملابسه يوم التجلي فهي إشارة لمجد اللاهوت. ومع كل مجده قدَّم لي دمه= أحمر على الصليب ليغسلني فأبيض أكثر من الثلج. لأغسل ثيابي وأبيضها في دم الخروف (رؤ14:7). ولون العريس الأبيض هنا ليس هو اللون الشاحب الذي يدل على الموت (كالقبور المبيضة + أع3:23). ولكن بياض مخلصنا مشوب بالحمرة مما يدل على الحياة. كذلك اللون الأحمر لا يشير للخطية والدموية (رؤ4:6 + إش18:1) بل هو إحمرار دمه المسفوك في بره الأبيض (إش1:63) بل ليبيضنا فنحمل إنعكاسات بهائه فينا. فكلمة أبيض هنا جاءت بمعنى بهي (رؤ4:3،9:7) وفي القيامة كانت ملابس الملائكة بيضاء. مُعْلَمٌ بين ربوة= أي مميز حتى لو كان وسط 10.000شخص. قبل أن تدخل النفس في علاقة حب مع حبيبها كان هذا الحبيب مثله مثل باقي الآخرين، لهم جميعاً نفس قوة الجذب. أما بعد أن أحبته فقد وجدته مميزاً حتى أن كان بين 10.000 شخص.
آية (11): "رأسه ذهب إبريز قصصه مسترسلة حالكة كالغراب."
رأسه ذهب إبريز= أي خالص ونقي. والذهب يشير للاهوته فرأس المسيح هو الله (1كو3:11)، وملكه السماوي ليس من هذا العالم، بل هو يجعل كنيسته سماوية باتحاده معها. قصصه مسترسلة حالكة= شعره هو كنيسته وهي سوداء لا تشيخ فهو يجدد كالنسر شبابها. والكنيسة مشبهة بالشعر أيضاً لأنه لن تسقط شعرة إلا بإذن منه.
آية (12): "عيناه كالحمام على مجاري المياه مغسولتان باللبن جالستان في وقبيهما."
عيناه كالحمام= أي ينظر بوداعة علينا كمؤمنين أما أعداء كنيسته فنظرته لهم مثل لهيب النار. وعينه علينا طول السنة لا ينعس ولا ينام. عيناه على مجاري المياه= المياه تشير للروح القدس. إذاً هو عيناه على هذه المجاري فهو مهتم أن نولد من الماء والروح وأن نمتلئ بالروح. الله لا يهتم بأن نكون أغنياء مثلاً بل بكل ما يجعل مجاري المياه مستعدة دائماً أن تفيض علينا. وهذا ما نراه في سفر الرؤيا (5:4،6) فنحن نجد أمام العرش أي أمام عيني الله أي محل اهتمامه [1] سبعة مصابيح نار هي سبعة أرواح الله [2] بحر زجاج هو الكنيسة. فالله مهتم بأن الروح القدس يكمل كنيسته، عروسه، ويعدها للسماء. مغسولتين باللبن= الله مهتم بأن يقدم لمؤمنيه الإيمان الخالص والتعاليم الخالصة غير المغشوشة غذاء لنفوسهم وهذا هو عمل الروح القدس "يعلمكم ويذكركم" (يو26:14+ عب11:. واللبن يشير لهذا التعليم والإيمان الخالص الذي يضرم فينا موهبة الروح فتكون مجاري المياه مستعدة أن تفيض. وقد تشير العينان للخدام الذين ينظرون لشعب الله ويعطونهم احتياجاتهم من التعليم. جالستان في وقبيهما= الوقب كل نقرة في الجسد كنقرة العين والكتف. ومعنى أن الله جالس أي هادئ غير مضطرب. نحن البشر ننظر للمستقبل بقلق أما الله فبهدوء وثقة ينظر لنا نحن أولاده ليرعانا ويدبر لنا كل أمور حياتنا.
آية (13): "خداه كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية شفتاه سوسن تقطران مراً مائعاً."
خدّاه= أي مظهره. وما في الداخل يظهر في الخارج. وخد المسيح تحملا الهزء (إش6:50). والآن تراهما الكنيسة حاملين دلائل الحب. وكيف يشبه الخدان= كخميلة الطيب= الخميلة هي مجموعة أشجار لها رائحة طيبة من كل نوع. وأتلام رياحين= أي باقات زهور، وقد تشير لرائحة المسيح التي تفوح من كنيسته. شفتاه سوسن= تنسكب منهما النعمة مثلما تنسكب نعمة الجمال من منظر السوسن. (يو46:7) فكلام المسيح لم يكن له مثيل وسط البشر. والسوسن يشير للجمال وشبه به ملابس سليمان. يقطران مراً نسمع منه أخبار صليبه التي فاحت منها رائحة محبته الحلوة فنشتهي من محبتنا أن نشترك معه في صليبه ثم في مجده.
آية (14): "يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق."
يداه حلقتان= الحلقة بلا بداية ولا نهاية، ومن ثمَّ فعطاياه لا حدود لها. والحلقتان من ذهب= إشارة لأن عطاياه سماوية. وعطاياه بغني قادرتان أن تشبعنا روحياً وجسدياً. مرصعتان بالزبرجد= الزبرجد حجر كريم لونه أخضر. والخضرة رمز للحياة فعطاياه محيية. بطنه عاج أبيض= بطنه أو أحشاؤه تشير لمشاعره وأحاسيسه وهذه كلها حب وحنان (في8:1،1:2). وإلى أي حد وصلت هذه المشاعر وصلت للموت عنا ولذلك شبهت عواطفه بالعاج الأبيض، فالعاج ينزع من الفيل بعد موته، وهكذا ظهرت محبة المسيح في موته "ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه.." مغلف بالياقوت الأزرق= أي أن حبه له سمة سماوية، وأهدافه سماوية ويرفعنا للسماويات. أما البشر لو أعطوا سيعطوا ماديات قد تتسبب في ضياع السماء منا.
آية (15): "ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز طلعته كلبنان فتى كالأرز."
ساقاه عمودا رخام= هو أسس مملكته بالخلاص الذي تم على الصليب، وكان عمله قوياً مؤسساً على الصخر (الرخام). وكل من يتحد بالمسيح تكون له القدرة على السير نحو السماء بثبات (لو51:9). على قاعدتين إبريز= الخلاص قاعدته أي هدفه سماوي يرفعنا عن الأرضيات. طلعته كلبنان= وجهه جميل دائم البشاشة "هو أبرع جمالاً من بني البشر". فتى كالأرز الأرز شامخ مستقيم طويل العمر جداً لا يشيخ ودائم الخضرة، وموجود على جبال لبنان الشاهقة ورائحته زكية. وقوله فتى إشارة لأن المسيح شارك البشرية كل مراحلها ما عدا الشيخوخة، فهو كان طفل وصبي فشاب فرجل، ولكنه لم يشيخ. حتى لا تحمل كنيسته صورة الشيخوخة (مز5:103). فالجسد قد يضعف ويشيخ لكن الروح لا تشيخ أبداً لأولاد الله ولكنيسة المسيح.
آية (16): "حلقه حلاوة وكله مشتهيات هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم."
حلقه حلاوة= كلامه كله حلاوة. (مز103:119) وفيه روح وحياة، من يأكل منه يشتاق إليه وطوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون. "لكل كمال وجدت منتهى أما وصاياك فواسعة جداً" وهو يعطي مع كلامه قوة للتنفيذ، فترتفع الوصية بالإنسان ليدخل إلى معرفة أسرار السموات فتنطلق النفس من مجد إلى مجد. وكله مشتهيات فالمسيح كما يعلنه الروح القدس للنفس هو جذاب لكن لا يمكن التعبير عنه، هنا عجز عن التعبير