:(6- 1) شخصية يوحنا المعمدان (ع 1 )
1- وفى تلك الأيام، جاء يوحنا المعمدان يكرز فى برية اليهودية. 2 - قائلا: "توبوا، لأنه قد
اقترب ملكوت السماوات." 3 - فإن هذا هو الذى قيل عنه بإشعياء النبى القائل: "صوت صارخ فى
البرية، أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة." 4- ويوحنا هذا، كان لباسه من وبر الإبل، وعلى
حَقْوَيْهِ مِنْ َ طَقٌة من جلد، وكان طعامه جرادا وعسلا بريا. 5 - حينئذ، خرج إليه أورشليم وكل
اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. 6 - واعتمدوا منه فى الأردن، معترفين بخطاياهم.
ع 1: "فى تلك الأيام": أى عندما اقترب المسيح من سن الثلاثين، وبالتحديد قبله بستة أشهر
ظهر يوحنا المعمدان الذى كان يكبره بستة أشهر.
"يوحنا المعمدان": هو يوحنا ابن زكريا الكاهن الذى اشتهر بتعميد اليهود، فسُمّى بالمعمدان،
والذى عاش حوالى ثلاثين عاما فى البرية فى حياة النسك، كمثال للرهبنة فى العهد القديم ومحبة
الصلاة والوحدة. وكانت هذه فترة روحية يعد ﺑﻬا لأعظم خدمة، وهى ﺗﻬيئة الطريق لبشارة المسيح
وفدائه.
"يكرز": بدأ تبشيره بعد سكون ثلاثين عاما، ونادى الشعب بالتوبة والرجوع لله.
"برية اليهودية": تقع شرق أورشليم قرب بحر لوط.
ع 2: كانت كرازته بالتوبة، أى تنقية القلب من الخطية، وتغيير الاتجاه من الشر إلى الحياة
مع الله.
"اقترب": لأنه بعد ستة أشهر ستبدأ كرازة المسيح الذى يملك على القلوب ملكا سماويا.
وكان تحذيره واضحا وهو اقتراب ملكوت السماوات، أى مُلك المسيح على القلوب، وهو
مُلك سماوى روحى، وليس أرضيا كما يتوهم اليهود، لينقذهم من قسوة الرومان.
كان يكرز بملكوت الله على القلب، حتى يتأهل الإنسان لسكنى السماء، ويملك مع الله إلى
الأبد، ولا يمكن أن يملك الله على القلب المتمسك بالخطية، الرافض التوبة.
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(29)
ع 3: فى هذا العدد يستشهد متى الإنجيلى، الذى يخاطب اليهود، بنبوة إشعياء المشهور
3). وقد ذكر عن يوحنا أنه : والمعروف عند اليهود، ليؤكد إعداد طريق المسيا المرتقب ( 40
"صوت" تمييزا له عن المسيح الذى هو الكلمة نفسها. وكان فى تبشيره قويا كمن يصرخ وينادى
يإعداد طريق الله فى القلب، أى بالتوبة، وما ينتج عنها من سلوك حسن.
"أعدوا طريق الرب": لإزالة الحواجز، كما كان ينادى المنادى ﺗﻬيئةً لمرور ملك أو عظيم،
ويقصد هنا إزالة الخطايا والكبرياء من القلب.
"اصنعوا سبله مستقيمة": بالبعد عن الرياء والشر، أى إصلاح المعوجات، فيكون القلب
مستقيما ليمر الله فيه ويملأه بسهولة.
ع 4: يصف الحياة الزاهدة التى عاشها يوحنا المعمدان، فكان لباسه من وبر الجمال الخشن،
وليس الثياب الناعمة. أما المِنْ َ طَقةُ التى كان يلبسها على حَقْوَيْهِ، أى وسطه وبطنه، فكانت من
الجلد، وليست الغالية المزينة.
أما طعامه، فكان من الجراد، وهو الحشرة المعروفة، وهناك رأى آخر أنه نبات برّى، بالإضافة
إلى العسل الذى يصنعه النحل فى شقوق الصخور.
ومعنى هذا أنه كان يكتفى باللباس والقوت الضرورى، لأن انشغال قلبه كان بالسمائيات
وخدمة الله. وهو صورة للحياة الرهبانية فى العهد القديم، مثل إيليا النبى.
ع 5: نظرا لعمق وروحانية كرازة يوحنا، وتأثيرها الشديد على القلوب، خرج إليه معظم
سكان أورشليم، بل وكل منطقة اليهودية وكل البلاد المحيطة بنهر الأردن؛ وقد قال "كل" إشارة
إلى الأغلبية.
ع 6: وإذ تأثروا بعظاته، تقدموا ليعتمدوا، كل واحد منهم، فى ﻧﻬر الأردن، معترفا بخطاياه.
فكانت هذه معمودية توبة، وإشارة واضحة لسر الاعتراف على يد الكاهن فى العهد الجديد.
وقد كانت المعمودية معروفة عند اليهود، إذ كانوا يعمدون اليهود الدخلاء عندما ينضمون
إليهم. لذا كان العماد مألوفا لديهم، ولكن الإضافة هنا هى التوبة والاعتراف.
أما معمودية العهد الجديد، فتختلف عن معمودية يوحنا، أﻧﻬا بالروح القدس، لتغيير الطبيعة
البشرية، فتصير نقية من كل خطية.
إ نْ جِ يلُ مَتَّى
(30)
وواضح أن معمودية التوبة هى تمهيد لمعمودية العهد الجديد. وهذا ما يتم الآن، حينما يعترف
الإنسان بخطاياه، إذا كان كبير السن، قبل أن ينال سر المعمودية.
إن التوبة هى طريقك لإعداد قلبك حتى يسكن فيه المسيح. فلا ﺗﻬمل أصوات الله الصارخة
إليك بالتوبة من خلال الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة، بل أيضا من المحيطين بك وعتاﺑﻬم لك،
فتسرع للتوبة أمام الله كل يوم، ثم على يد الكاهن لتنال غفران خطاياك.
:(12- 2) تھيئة الطريق (ع 7 )
-7 فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته، قال لهم: "يا أولاد
الأفاعى، من أراكم أن ﺗﻬربوا من الغضب الآتى 8 - فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. 9- ولا تفتكروا أن
تقولوا فى أنفسكم: لنا إبراهيم أبا، لأنى أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا
لإبراهيم. 10 - والآن، قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا، تُقطع
وتُلقى فى النار. 11 - أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذى يأتى بعدى، هو أقوى منى، الذى لست
أهلا أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. 12 - الذى رَفْشُهُ فى يده، وسينقى بيدره،
ويجمع قمحه إلى المخزن؛ وأما التبن، فيحرقه بنار لا تُطفأ."
ع 7: الفرّيسيون: هم جماعة ظهرت فى القرن الثانى قبل الميلاد فى اﻟﻤﺠتمع اليهودى، متمسكة
بالناموس حرفيا، وكانوا يُعتبرون قادة الفكر اليهودى، ومعنى اسمهم المفرَزون، أى المختارون من
الله. وكانوا يثقون ببرهم، فيقولون: إن دخل السماء اثنان، فعلى الأقل أحدهما فرّيسى.
الصدّوقيون: جماعة تعترض على سلطة الفرّيسيين، وينكرون الحياة الأبدية والأرواح. وهم
يشاركون الفريسيين فى القيادة الروحية لليهود، ويُعتبروا الطبقة الأرستقراطية الغنية، وهم نسل
صادوق الكاهن.
وقد أتوا إلى يوحنا ليس للتوبة، بل للتعرف على يوحنا الذى اجتذب الجموع من ورائهم.
ولعلهم كانوا يطلبون مكانا قياديا وراء هذا الزعيم الجديد الذى خرج إليه كل اليهود.
وكان يوحنا المعمدان قويا، وواجههم بالتواء قلوﺑﻬم، إذ مظهرهم يطلبون التوبة، وداخلهم
بعيد عنها، فوبّخهم واصفا إياهم ب "أولاد الأفاعى"، وهو نوع من الثعابين يتصف بشدة الحيلة
والمكر، كما أن أجنتها تأكل بطن أمها وتميتها لتخرج إلى الحياة؛ أى وصفهم بالأنانية وقسوة
القلب.
"الغضب الآتى": أى دينونة الله فى اليوم الأخير الذى لابد أن يقفوا فيه أمامه، وتعجب من
إهمالهم التوبة والاستعداد للأبدية، مع أﻧﻬم معلمو اليهود، بقوله: "من أراكم".
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(31)
ع 8: يدعوهم يوحنا لإثبات توبتهم، بأن يعملوا أعمال التوبة، أى ترك الخطية وعمل
الصلاح، فبدون الثمر مهما تكلموا عن التوبة لا يفيدهم شئ، وكذلك معموديتهم تكون بلا نفع
لهم.
ع 9: يوبخهم أيضا على كبريائهم، إذ ظنوا أﻧﻬم بانتساﺑﻬم الجدى إلى إبراهيم صاحب الوعود
سينالون المواعيد. ولكن الله يطلب من يسلك فى بر إبراهيم، ليكون ابنا حقيقيا له.
"هذه الحجارة": ويشير إلى حجارة كانت موجودة أمامه. فكما خلق الله آدم من تراب، فهو
قادر أيضا أن يخلق أولادا لإبراهيم من الحجارة.
ويقصد أيضا أن الله قادر أن يقيم أبناء لإبراهيم من الحجارة، أى قلوب الأمم الحجرية
القاسية، التى تعبد الأصنام الحجرية الذين إذا آمنوا وسلكوا فى البر، يصيرون أبناء حقيقيين
لإبراهيم.
لا تتكل على كونك مسيحى، بل تب واعمل الخير، لتتمتع برعاية الله وملكوت السماوات.
فالاسم يدينك إن لم تحيا به، وكذا كرامة عائلتك وقرابتك لأناس روحيين لا تفيدك،
بل تدعوك للتمثل ﺑﻬم، فتعيش حياة التوبة، وتصنع خيرا مثل مسيحك.
ع 10 : هذه "الفأس" هى الصليب الخشبى، أو كلمة الله التى تدين كل من لا يؤمن، وتقطعه
من أصله وﺗﻬلكه، لأنه لم يؤمن بالمسيح المخّلص.
ووضع الفأس معناه قرب الدينونة، فلابد من التوبة وتقديم دليلها، وهو ثمار البر، وإن لم يقدم
الإنسان الثمر، فلا ينتظر إلا النار الأبدية.
ع 11 : يفرق يوحنا بين المعمودية التى للتوبة ومعمودية المسيح، الله الكلمة، التى بالروح
القدس، لتجديد الطبيعة الإنسانية، وإن كان هو قائد معمودية التوبة، لكنه، بالنسبة للمسيح، لا
يستحق أن يكون أصغر عبد عنده، الذى يوكل إليه حمل الحذاء.
ويظهر من هذا اتضاع المعمدان، فرغم أنه كان أقوى الأنبياء، لكنه أنكر نفسه
معطيا اﻟﻤﺠد للمسيح.
"الروح القدس ونار": يقصد معمودية الروح القدس التى تجدد الطبيعة، والنار تحرق الشر
والطبيعة المائلة للخطية لتجديد الإنسان للحياة مع الله.
إ نْ جِ يلُ مَتَّى
(32)
ع 12 : يعلن يوحنا المعمدان فى النهاية المسيح الديّان، ويشبّهه بالفلاح الذى يفصل الحبوب
عن القش بعد عملية الدراس، مستخدما فى ذلك الرفش، أى المذراة وهى ساق لها أصابع خشبية
تُرفع ﺑﻬا الحبوب المختلطة بالتبن، فتسقط الحبوب سريعا، أما القش أو التبن، فيطير ويسقط بعيدا.
وﺑﻬذا تُجمع الحبوب وحدها، والتبن وحده، ويتم ذلك فى مكان متسع بجوار الحقل يسمى البيدر
أو الجرن. ثم تُجمع الحبوب فى جوالات وتوضع فى المخزن، أما التبن فيُحرق بالنار لعدم الحاجة
إليه.
الرفش: هى كلمة الله، أو الصليب الذى يدين به الله غير المؤمنين وغير التائبين.
البيدر: هو ﻧﻬاية العالم، ويوم الدينونة.
المخزن: هو ملكوت السماوات أو الكنيسة.
النار: هى العذاب الأبدى.
التبن: هم الأشرار.
القمح: هم المؤمنون الذين سيتمجَّدون مع المسيح فى السماوات، ويقول عنهم
"قمحه"، أى المرتبطين به ويظلوا معه فى الملكوت، بعكس التبن، أى الأشرار، فلا يقول
"تبنه" لأﻧﻬم انفصلوا عنه.
:(17- 3) عماد المسيح (ع 13 )
13 - حينئذ، جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا، ليعتمد منه. 14 - ولكن يوحنا
منعه، قائلا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتى إلىَّ!" 15 - فأجاب يسوع وقال له: "اسمح الآن،
لأنه هكذا يليق بنا أن نُ َ كمِّ َ ل كل بر." حينئذ سمح له. 16 - فلما اعتمد يسوع، صعد للوقت من الماء،
وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة، وآتيا عليه. 17 - وصوت من
السماوات قائلا: "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت."
ع 13 : عاش المسيح طفولته وشبابه حتى سن الثلاثين فى الناصرة ومنطقة الجليل، ثم اتجه
جنوبا إلى اليهودية عند ﻧﻬر الأردن، حيث اجتمعت الجموع حول يوحنا المعمدان. وتقدّم نائبا عن
البشرية ليعتمد معمودية التوبة، رغم أنه بلا خطية، ولكن حاملا خطايانا، مقدما التوبة عنا.
"حينئذ": يقصد الفترة التى كان يكرز فيها يوحنا المعمدان، وهى ستة أشهر.
"جاء": أى ظهر علنا بين الجموع ليشاركنا، ويتمم عنا كل بر، مع أنه ليس محتاجا للتوبة.
"الأردن": يقصد ﻧﻬر الأردن الذى يمتد حوالى مائتى ميلا من شمال إسرائيل إلى جنوبه.
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(33)
15 : عرف يوحنا بالروح أن هذا هو المسيا المنتظر، وتعجب لاتضاع المسيح، فقال - ع 14
له باتضاع أنه هو المحتاج للعماد منه، فكيف يعمده ويرد المسيح بلطف واتضاع أكبر، طالبا من
يوحنا أن يسمح ويعمده، ليتمم كل بر عن البشر الخطاة، الذين عجزوا عن أن يتمموه بابتعادهم
عن التوبة والحياة الصالحة.
تأمل هذا الحب العجيب، لتتضع أنت أيضا، ليس فقط أمام من هم أعظم منك، بل أمام من هم
أقل منك مركزا أو سنا، واسأل نفسك: هل تتكلم بلطف واتضاع مع كل إنسان
17 : نزل يسوع إلى ﻧﻬر الأردن وغطس فى الماء، ثم صعد وخرج من الماء. ولذلك - ع 16
تتمسك الكنيسة بطقس التغطيس فى ماء المعمودية، لأﻧﻬا تعنى دفن مع المسيح، ثم قيامة أيضا معه،
.(12 : كما يقول الكتاب: " مدفونين معه في المعمودية التي فيها ُأقمتم أيضا معه" (كو 2
ولأول مرة يُظهر الله أقانيمه الثلاثة بوضوح كامل: فالمسيح الابن فى الماء، والروح القدس
ظهر بشكل حمامة على رأسه، والآب سمعوا صوته من السماء.
كان هذا واضحا أمام يوحنا، الذى يعمد المسيح، وكل الحاضرين. ولهذا تعيّد الكنيسة بعماد
المسيح، وتسميه "عيد الغطاس"، لأنه غطس فى مياه الأردن. وتسميه أيضا "عيد الظهور الإلهى"،
لأنه أظهر أقانيمه الثلاثة فى ذلك اليوم، أى صفاته الشخصية الأساسية التى تقوم ﺑﻬا الذات الإلهية،
وهذه الأقانيم هى إله واحد.
وﺑﻬذا الظهور الإلهى، وظهور الروح بشكل حمامة على رأسه، تبدأ خدمة المسيح على
الأرض، كما كان الملوك والأنبياء والكهنة قديما يُمسحون بالدهن الذى هو إشارة لمسحة الروح
القدس، فيبدأون خدمتهم؛ وهذا ما يتم الآن فى سر الكهنوت فى العهد الجديد.
"ابنى الحبيب": هو ابن الله فى الجوهر والطبع منذ الأزل، وهو غير بنوتنا لله بالتبنى.
"به سررت": لأنه يتمم مشيئة الله فى التجسد، وبعد ذلك الفداء لخلاص البشرية.
المسيح يتمم عنا كل بر حتى يعلمنا الحب بعضنا لبعض، لنكمل نقائص بعضنا ونستر على
الخطايا، فنتعلم الاتضاع والخدمة فى الخفاء.
1- وفى تلك الأيام، جاء يوحنا المعمدان يكرز فى برية اليهودية. 2 - قائلا: "توبوا، لأنه قد
اقترب ملكوت السماوات." 3 - فإن هذا هو الذى قيل عنه بإشعياء النبى القائل: "صوت صارخ فى
البرية، أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة." 4- ويوحنا هذا، كان لباسه من وبر الإبل، وعلى
حَقْوَيْهِ مِنْ َ طَقٌة من جلد، وكان طعامه جرادا وعسلا بريا. 5 - حينئذ، خرج إليه أورشليم وكل
اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. 6 - واعتمدوا منه فى الأردن، معترفين بخطاياهم.
ع 1: "فى تلك الأيام": أى عندما اقترب المسيح من سن الثلاثين، وبالتحديد قبله بستة أشهر
ظهر يوحنا المعمدان الذى كان يكبره بستة أشهر.
"يوحنا المعمدان": هو يوحنا ابن زكريا الكاهن الذى اشتهر بتعميد اليهود، فسُمّى بالمعمدان،
والذى عاش حوالى ثلاثين عاما فى البرية فى حياة النسك، كمثال للرهبنة فى العهد القديم ومحبة
الصلاة والوحدة. وكانت هذه فترة روحية يعد ﺑﻬا لأعظم خدمة، وهى ﺗﻬيئة الطريق لبشارة المسيح
وفدائه.
"يكرز": بدأ تبشيره بعد سكون ثلاثين عاما، ونادى الشعب بالتوبة والرجوع لله.
"برية اليهودية": تقع شرق أورشليم قرب بحر لوط.
ع 2: كانت كرازته بالتوبة، أى تنقية القلب من الخطية، وتغيير الاتجاه من الشر إلى الحياة
مع الله.
"اقترب": لأنه بعد ستة أشهر ستبدأ كرازة المسيح الذى يملك على القلوب ملكا سماويا.
وكان تحذيره واضحا وهو اقتراب ملكوت السماوات، أى مُلك المسيح على القلوب، وهو
مُلك سماوى روحى، وليس أرضيا كما يتوهم اليهود، لينقذهم من قسوة الرومان.
كان يكرز بملكوت الله على القلب، حتى يتأهل الإنسان لسكنى السماء، ويملك مع الله إلى
الأبد، ولا يمكن أن يملك الله على القلب المتمسك بالخطية، الرافض التوبة.
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(29)
ع 3: فى هذا العدد يستشهد متى الإنجيلى، الذى يخاطب اليهود، بنبوة إشعياء المشهور
3). وقد ذكر عن يوحنا أنه : والمعروف عند اليهود، ليؤكد إعداد طريق المسيا المرتقب ( 40
"صوت" تمييزا له عن المسيح الذى هو الكلمة نفسها. وكان فى تبشيره قويا كمن يصرخ وينادى
يإعداد طريق الله فى القلب، أى بالتوبة، وما ينتج عنها من سلوك حسن.
"أعدوا طريق الرب": لإزالة الحواجز، كما كان ينادى المنادى ﺗﻬيئةً لمرور ملك أو عظيم،
ويقصد هنا إزالة الخطايا والكبرياء من القلب.
"اصنعوا سبله مستقيمة": بالبعد عن الرياء والشر، أى إصلاح المعوجات، فيكون القلب
مستقيما ليمر الله فيه ويملأه بسهولة.
ع 4: يصف الحياة الزاهدة التى عاشها يوحنا المعمدان، فكان لباسه من وبر الجمال الخشن،
وليس الثياب الناعمة. أما المِنْ َ طَقةُ التى كان يلبسها على حَقْوَيْهِ، أى وسطه وبطنه، فكانت من
الجلد، وليست الغالية المزينة.
أما طعامه، فكان من الجراد، وهو الحشرة المعروفة، وهناك رأى آخر أنه نبات برّى، بالإضافة
إلى العسل الذى يصنعه النحل فى شقوق الصخور.
ومعنى هذا أنه كان يكتفى باللباس والقوت الضرورى، لأن انشغال قلبه كان بالسمائيات
وخدمة الله. وهو صورة للحياة الرهبانية فى العهد القديم، مثل إيليا النبى.
ع 5: نظرا لعمق وروحانية كرازة يوحنا، وتأثيرها الشديد على القلوب، خرج إليه معظم
سكان أورشليم، بل وكل منطقة اليهودية وكل البلاد المحيطة بنهر الأردن؛ وقد قال "كل" إشارة
إلى الأغلبية.
ع 6: وإذ تأثروا بعظاته، تقدموا ليعتمدوا، كل واحد منهم، فى ﻧﻬر الأردن، معترفا بخطاياه.
فكانت هذه معمودية توبة، وإشارة واضحة لسر الاعتراف على يد الكاهن فى العهد الجديد.
وقد كانت المعمودية معروفة عند اليهود، إذ كانوا يعمدون اليهود الدخلاء عندما ينضمون
إليهم. لذا كان العماد مألوفا لديهم، ولكن الإضافة هنا هى التوبة والاعتراف.
أما معمودية العهد الجديد، فتختلف عن معمودية يوحنا، أﻧﻬا بالروح القدس، لتغيير الطبيعة
البشرية، فتصير نقية من كل خطية.
إ نْ جِ يلُ مَتَّى
(30)
وواضح أن معمودية التوبة هى تمهيد لمعمودية العهد الجديد. وهذا ما يتم الآن، حينما يعترف
الإنسان بخطاياه، إذا كان كبير السن، قبل أن ينال سر المعمودية.
إن التوبة هى طريقك لإعداد قلبك حتى يسكن فيه المسيح. فلا ﺗﻬمل أصوات الله الصارخة
إليك بالتوبة من خلال الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة، بل أيضا من المحيطين بك وعتاﺑﻬم لك،
فتسرع للتوبة أمام الله كل يوم، ثم على يد الكاهن لتنال غفران خطاياك.
:(12- 2) تھيئة الطريق (ع 7 )
-7 فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته، قال لهم: "يا أولاد
الأفاعى، من أراكم أن ﺗﻬربوا من الغضب الآتى 8 - فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. 9- ولا تفتكروا أن
تقولوا فى أنفسكم: لنا إبراهيم أبا، لأنى أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا
لإبراهيم. 10 - والآن، قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا، تُقطع
وتُلقى فى النار. 11 - أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذى يأتى بعدى، هو أقوى منى، الذى لست
أهلا أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. 12 - الذى رَفْشُهُ فى يده، وسينقى بيدره،
ويجمع قمحه إلى المخزن؛ وأما التبن، فيحرقه بنار لا تُطفأ."
ع 7: الفرّيسيون: هم جماعة ظهرت فى القرن الثانى قبل الميلاد فى اﻟﻤﺠتمع اليهودى، متمسكة
بالناموس حرفيا، وكانوا يُعتبرون قادة الفكر اليهودى، ومعنى اسمهم المفرَزون، أى المختارون من
الله. وكانوا يثقون ببرهم، فيقولون: إن دخل السماء اثنان، فعلى الأقل أحدهما فرّيسى.
الصدّوقيون: جماعة تعترض على سلطة الفرّيسيين، وينكرون الحياة الأبدية والأرواح. وهم
يشاركون الفريسيين فى القيادة الروحية لليهود، ويُعتبروا الطبقة الأرستقراطية الغنية، وهم نسل
صادوق الكاهن.
وقد أتوا إلى يوحنا ليس للتوبة، بل للتعرف على يوحنا الذى اجتذب الجموع من ورائهم.
ولعلهم كانوا يطلبون مكانا قياديا وراء هذا الزعيم الجديد الذى خرج إليه كل اليهود.
وكان يوحنا المعمدان قويا، وواجههم بالتواء قلوﺑﻬم، إذ مظهرهم يطلبون التوبة، وداخلهم
بعيد عنها، فوبّخهم واصفا إياهم ب "أولاد الأفاعى"، وهو نوع من الثعابين يتصف بشدة الحيلة
والمكر، كما أن أجنتها تأكل بطن أمها وتميتها لتخرج إلى الحياة؛ أى وصفهم بالأنانية وقسوة
القلب.
"الغضب الآتى": أى دينونة الله فى اليوم الأخير الذى لابد أن يقفوا فيه أمامه، وتعجب من
إهمالهم التوبة والاستعداد للأبدية، مع أﻧﻬم معلمو اليهود، بقوله: "من أراكم".
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(31)
ع 8: يدعوهم يوحنا لإثبات توبتهم، بأن يعملوا أعمال التوبة، أى ترك الخطية وعمل
الصلاح، فبدون الثمر مهما تكلموا عن التوبة لا يفيدهم شئ، وكذلك معموديتهم تكون بلا نفع
لهم.
ع 9: يوبخهم أيضا على كبريائهم، إذ ظنوا أﻧﻬم بانتساﺑﻬم الجدى إلى إبراهيم صاحب الوعود
سينالون المواعيد. ولكن الله يطلب من يسلك فى بر إبراهيم، ليكون ابنا حقيقيا له.
"هذه الحجارة": ويشير إلى حجارة كانت موجودة أمامه. فكما خلق الله آدم من تراب، فهو
قادر أيضا أن يخلق أولادا لإبراهيم من الحجارة.
ويقصد أيضا أن الله قادر أن يقيم أبناء لإبراهيم من الحجارة، أى قلوب الأمم الحجرية
القاسية، التى تعبد الأصنام الحجرية الذين إذا آمنوا وسلكوا فى البر، يصيرون أبناء حقيقيين
لإبراهيم.
لا تتكل على كونك مسيحى، بل تب واعمل الخير، لتتمتع برعاية الله وملكوت السماوات.
فالاسم يدينك إن لم تحيا به، وكذا كرامة عائلتك وقرابتك لأناس روحيين لا تفيدك،
بل تدعوك للتمثل ﺑﻬم، فتعيش حياة التوبة، وتصنع خيرا مثل مسيحك.
ع 10 : هذه "الفأس" هى الصليب الخشبى، أو كلمة الله التى تدين كل من لا يؤمن، وتقطعه
من أصله وﺗﻬلكه، لأنه لم يؤمن بالمسيح المخّلص.
ووضع الفأس معناه قرب الدينونة، فلابد من التوبة وتقديم دليلها، وهو ثمار البر، وإن لم يقدم
الإنسان الثمر، فلا ينتظر إلا النار الأبدية.
ع 11 : يفرق يوحنا بين المعمودية التى للتوبة ومعمودية المسيح، الله الكلمة، التى بالروح
القدس، لتجديد الطبيعة الإنسانية، وإن كان هو قائد معمودية التوبة، لكنه، بالنسبة للمسيح، لا
يستحق أن يكون أصغر عبد عنده، الذى يوكل إليه حمل الحذاء.
ويظهر من هذا اتضاع المعمدان، فرغم أنه كان أقوى الأنبياء، لكنه أنكر نفسه
معطيا اﻟﻤﺠد للمسيح.
"الروح القدس ونار": يقصد معمودية الروح القدس التى تجدد الطبيعة، والنار تحرق الشر
والطبيعة المائلة للخطية لتجديد الإنسان للحياة مع الله.
إ نْ جِ يلُ مَتَّى
(32)
ع 12 : يعلن يوحنا المعمدان فى النهاية المسيح الديّان، ويشبّهه بالفلاح الذى يفصل الحبوب
عن القش بعد عملية الدراس، مستخدما فى ذلك الرفش، أى المذراة وهى ساق لها أصابع خشبية
تُرفع ﺑﻬا الحبوب المختلطة بالتبن، فتسقط الحبوب سريعا، أما القش أو التبن، فيطير ويسقط بعيدا.
وﺑﻬذا تُجمع الحبوب وحدها، والتبن وحده، ويتم ذلك فى مكان متسع بجوار الحقل يسمى البيدر
أو الجرن. ثم تُجمع الحبوب فى جوالات وتوضع فى المخزن، أما التبن فيُحرق بالنار لعدم الحاجة
إليه.
الرفش: هى كلمة الله، أو الصليب الذى يدين به الله غير المؤمنين وغير التائبين.
البيدر: هو ﻧﻬاية العالم، ويوم الدينونة.
المخزن: هو ملكوت السماوات أو الكنيسة.
النار: هى العذاب الأبدى.
التبن: هم الأشرار.
القمح: هم المؤمنون الذين سيتمجَّدون مع المسيح فى السماوات، ويقول عنهم
"قمحه"، أى المرتبطين به ويظلوا معه فى الملكوت، بعكس التبن، أى الأشرار، فلا يقول
"تبنه" لأﻧﻬم انفصلوا عنه.
:(17- 3) عماد المسيح (ع 13 )
13 - حينئذ، جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا، ليعتمد منه. 14 - ولكن يوحنا
منعه، قائلا: "أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتى إلىَّ!" 15 - فأجاب يسوع وقال له: "اسمح الآن،
لأنه هكذا يليق بنا أن نُ َ كمِّ َ ل كل بر." حينئذ سمح له. 16 - فلما اعتمد يسوع، صعد للوقت من الماء،
وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة، وآتيا عليه. 17 - وصوت من
السماوات قائلا: "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت."
ع 13 : عاش المسيح طفولته وشبابه حتى سن الثلاثين فى الناصرة ومنطقة الجليل، ثم اتجه
جنوبا إلى اليهودية عند ﻧﻬر الأردن، حيث اجتمعت الجموع حول يوحنا المعمدان. وتقدّم نائبا عن
البشرية ليعتمد معمودية التوبة، رغم أنه بلا خطية، ولكن حاملا خطايانا، مقدما التوبة عنا.
"حينئذ": يقصد الفترة التى كان يكرز فيها يوحنا المعمدان، وهى ستة أشهر.
"جاء": أى ظهر علنا بين الجموع ليشاركنا، ويتمم عنا كل بر، مع أنه ليس محتاجا للتوبة.
"الأردن": يقصد ﻧﻬر الأردن الذى يمتد حوالى مائتى ميلا من شمال إسرائيل إلى جنوبه.
الأ صْ حَ احُ الثَّالِثُ
(33)
15 : عرف يوحنا بالروح أن هذا هو المسيا المنتظر، وتعجب لاتضاع المسيح، فقال - ع 14
له باتضاع أنه هو المحتاج للعماد منه، فكيف يعمده ويرد المسيح بلطف واتضاع أكبر، طالبا من
يوحنا أن يسمح ويعمده، ليتمم كل بر عن البشر الخطاة، الذين عجزوا عن أن يتمموه بابتعادهم
عن التوبة والحياة الصالحة.
تأمل هذا الحب العجيب، لتتضع أنت أيضا، ليس فقط أمام من هم أعظم منك، بل أمام من هم
أقل منك مركزا أو سنا، واسأل نفسك: هل تتكلم بلطف واتضاع مع كل إنسان
17 : نزل يسوع إلى ﻧﻬر الأردن وغطس فى الماء، ثم صعد وخرج من الماء. ولذلك - ع 16
تتمسك الكنيسة بطقس التغطيس فى ماء المعمودية، لأﻧﻬا تعنى دفن مع المسيح، ثم قيامة أيضا معه،
.(12 : كما يقول الكتاب: " مدفونين معه في المعمودية التي فيها ُأقمتم أيضا معه" (كو 2
ولأول مرة يُظهر الله أقانيمه الثلاثة بوضوح كامل: فالمسيح الابن فى الماء، والروح القدس
ظهر بشكل حمامة على رأسه، والآب سمعوا صوته من السماء.
كان هذا واضحا أمام يوحنا، الذى يعمد المسيح، وكل الحاضرين. ولهذا تعيّد الكنيسة بعماد
المسيح، وتسميه "عيد الغطاس"، لأنه غطس فى مياه الأردن. وتسميه أيضا "عيد الظهور الإلهى"،
لأنه أظهر أقانيمه الثلاثة فى ذلك اليوم، أى صفاته الشخصية الأساسية التى تقوم ﺑﻬا الذات الإلهية،
وهذه الأقانيم هى إله واحد.
وﺑﻬذا الظهور الإلهى، وظهور الروح بشكل حمامة على رأسه، تبدأ خدمة المسيح على
الأرض، كما كان الملوك والأنبياء والكهنة قديما يُمسحون بالدهن الذى هو إشارة لمسحة الروح
القدس، فيبدأون خدمتهم؛ وهذا ما يتم الآن فى سر الكهنوت فى العهد الجديد.
"ابنى الحبيب": هو ابن الله فى الجوهر والطبع منذ الأزل، وهو غير بنوتنا لله بالتبنى.
"به سررت": لأنه يتمم مشيئة الله فى التجسد، وبعد ذلك الفداء لخلاص البشرية.
المسيح يتمم عنا كل بر حتى يعلمنا الحب بعضنا لبعض، لنكمل نقائص بعضنا ونستر على
الخطايا، فنتعلم الاتضاع والخدمة فى الخفاء.