سفر التكوين (1)
البدايات
بقلم: عماد حنا
هو أول أسفار الكتاب المقدس، وهو سفر البدايات. وتكمن أهمية هذا السفر في أنه يحكي قصة الخليقة و كيف بدأت, كما يحكي بدء العلاقة بين الله والانسان وكيف تطورت تلك العلاقة. إنه يحكي مكانة الانسان عندما خلق وما وصل اليه بعد الخطية.
يمكن أن نقسم هذا السفر الهام الى جزئين أساسيين، الجزء الاول من الاصحاح الاول الي الاصحاح الحادي عشر والجزء الثاني بقية السفر.
وسيكون موضوع تأملاتنا في هذا المقال عن الجزء الأول وهو يحكي قصة بضعة آلاف من السنين، بداية من {البدء}حيث كانت الأرض خربة وخاليه وحتى بناء برج بابل وبلبلة الالسنة، وذلك في الاصحاح الحادي عشر ، ليبدأ الكتاب المقدس حقبة جديدة من تاريخ علاقة الله بالبشر.
1- انكسار العلاقة بين الانسان والله
المحطة الاولى في هذا الجزء هي انكسار العلاقة بين الانسان والله، حين عصى الانسان الله وتناول من الشجرة المحرمة، بعد أن أمره الله أن لايأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وكأن هذه النقطة المحورية التي جاءت في الاصحاح الثالث من سفر التكوين هي مقدمة عامة للكتاب المقدس كله، لأنه بعد هذا الاصحاح يبدأ الله في شرح الوسيلة التي من خلالها يستطيع الانسان ان ينسجم من جديد مع الله، وهذا الانسجام المفقود بسبب الخطية التي ادت الى الموت لأن أجرة الخطية هي موت. "وأوصى الرب الإله آدم قائلا : من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت (تكوين 2: 16، 17)
2- واحدة من أشهر الآيات الكتابية
والمحطة الثانية التي أجدها من أهم محطات سفر التكوين هي تلك العبارة التي قالها الرب الاله للحية، إذ هو بمثابة إعلان ونبوة عما سيحدث في المستقبل ... "وأضع عداوة بينك وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك ، وأنت تسحقين عقبه"(تكوين 3: 15) ذلك الاعلان الذي أعطى للإنسان رجاء في إصلاح ما افسده بذلك الآتي من نسل المرأه ليسحق رأس الشيطان ... هذا الاعلان هو بداية لإعلانات كثيرة على مدار الكتاب المقدس من خلالها بدأ الله يعطي للإنسان الرجاء في مصالحة بينه وبين الانسان.
3- الذبيحة الأولى
وبدأ الرب يعلم الانسان الوسيلة الوحيدة للغفران، من خلال الموت. في البداية صنع الله أقمصة من جلد، وكأنه يقول للأنسان أنه لن يستر عريك الا إذا كانت هناك ذبيحة دمويه، لأن الموت هو عاقبة الخطية فبالموت أيضا يكون الغفران... ومن هذا الدرس تعلم هابيل أن يقدم ذبيحة دموية للرب "وكان هابيل راعيا للغنم ، وكان قايين عاملا في الأرض وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها . فنظر الرب إلى هابيل وقربانه" (تكوين 4: 2-4) وهذا تعليم جديد من خلاله عرف الانسان أنه لكي يحدث الغفران لابد من وجود موت.
4- وسار أخنوخ مع الله
هنا بدأ تعليم آخر عن وجود حياة جديدة أخرى... لقد تعلم الانسان في بداية علاقته مع الله أن الحياة لم تعد قاصرة على الارض فقط، ولكن هناك حياة أخرى، وكأن الله يعلم الانسان ما ينتظره خطوة خطوة ... في البداية علمه أن الموت والذبيحة هو الكفارة الوحيدة للغفران، وبعد هذا علمه أن من يسير مع الله تنتظره حياة جديدة في مكان آخر لا يكون فيه للموت سلطان. "وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله اخذه"( تكوين 5: 35)
5- الدينونة الصغرى
تعليم آخر يعلمه الله للانسان وهو ان هناك دينونه، فكما أن هناك حياة أخرى كذلك يوجد دينونة عامة سوف تأتي، وأعطانا لها مثل حي في طوفان نوح. لقد صبر الله فترة من الزمن حتى جاءت تلك الدينونة التي أسميها دينونة صغرى... "ورأى الرب ان شر الانسان قد كثر في الارض.وان كل تصور افكار قلبه انما هو شرير كل يوم فحزن الرب انه عمل الانسان في الارض.وتأسف في قلبه. فقال الرب امحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته.الانسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء.لاني حزنت اني عملتهم. واما نوح فوجد نعمة في عيني الرب" (تكوين 6: 5- ونلاحظ بحسب تعبير سفر التكوين ان نجاة نوح من تلك الدينونة متمثل فقط في (النعمة) وجد نعمة في عيني الله. تلك النعمة التي هي أيضا مصدر للنجاة في الايام الاخيرة "لانكم بالنعمة مخلّصون" (أفسس 2:
6- شر يصعد الى السماء
وتستمر قصة نوح ومواليد سام حتى الاصحاح الحادي عشر، وفي الاصحاح الحادي عشر نجد من جديد موضوع محوري آخر يلخصه لنا الاصحاح الحادي عشر من سفر التكوين "وكانت الارض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة وحدث في ارتحالهم شرقا انهم وجدوا بقعة في ارض شنعار وسكنوا هنا وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا ونشويه شيا.فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين. 4 وقالوا هلم نبن لانفسنا مدينة وبرجا راسه بالسماء.ونصنع لانفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الارض" (تك11: 1- 4).
لقد اراد الانسان بدلا من أن يطيع أمر الله ويثمر ويكثر في الارض أن يتقوقع في مكانه، متحديا بذلك الله وما أمره به، فكانت النتيجة بلبلة الالسنة وانتشار اللغات المختلفة على وجه الارض، ... "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض فبددهم الرب من هناك على وجه كل الارض.فكفّوا عن بنيان المدينة" (تكوين 11: 7، 8). والتي جعلت الانسان رغم أنفه ينفذ ارادة الله في ملء الارض .
أن سفر التكوين هو عبارة عن شرح البدايات في كل شيء، يشرح علاقة الانسان بالله ... وكيف فسدت، ووسيلة النجاة ووعود بحياة أخرى ودنيا جديدة.
والى اللقاء في الجزء الثاني من سفر التكوين