ماذا كان الخطأ الذي وقع فيه أصحاب أيوب الثلاثة
أولاً: ظنوا أنهم يتكلمون معه بصراحة، وكان أسلوبهم في تلك (الصراحة) أسلوباً جارحاً مؤلماً. بدأوه بقول أليفاز التيماني لأيوب "إن امتحن أحد كلمة معك، فهل تستاء. ولكن من يستطيع الامتناع عن الكلام!" (أي 4: 2). أي هل سوف تستاء من صراحتي معك! ومع ذلك فأنا لا أستطيع أن أصمت ولا أتكلم معك (بصراحة)!!
ثانياً: اعتقدوا في صراحتهم أن أيوب قد أخطأ إلى الله ولذلك عاقبه الله بهذه التجربة!! وكان ذلك اتهاماً ظالماً.
وهكذا قالوا له "أذكر من هلك وهو برئ! وأين أبيد المستقيمون كما رأيت أن الحارثين إثما، والزارعين شقاوة، يحصدونها" (أي 4: 7، . والمعروف طبعاً أن أيوب لم يخطئ إلي الله، ولم يزرع إثماً ولا شقاوة! بل قال الله عنه أنه ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم يتقي الله، ويحيد عن الشر" (أي 1: . وكرر الله هذه الشهادة عنه (أي 2: 3).
أذن تجربة أيوب لم تكن عقوبة لأيوب علي خطية. بل أن الله قال عنه للشيطان بعد التجربة الأولي "وإلي الآن هو متمسك بكماله وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب" (أي 2: 3)
حقاً، ما أكثر الاتهامات الظالمة للأبرار والصدقين في كل متاعبهم ومشاكلهم وأمراضهم، كما لو كانت عقوبة من الله!! بينما الكتاب يقول: " كثيرة هي بلايا الصديق،من جميعها ينجيه الرب. الرب يحفظ جميع عظامه، وواحد منها لا تنكسر" (مز 34: 19، 20). ونلاحظ أن هذا المزمور كان أيضاً نبوءة عن السيد المسيح في كل ما أصابه من آلام وضيقات..
من أمثلة الاتهامات الكاذبة التي اتهموا بها أيوب:
قول أليفاز التيماني له: " لأنك ارتهنت أخاك بلا سبب، وسلبت ثياب العراة. ما لم تسق للعطشان، وعن الجائع، منعت خبزاً" (أي 22: 6،7). وطبعاً كل هذا افتراء عليه، لأنه كان كريماً شفوقاً علي المساكين (أي 29: 16- 19). وقال عنه صوفر النعماتي "لأَنَّهُ رَضَّضَ الْمَسَاكِينَ، وَتَرَكَهُمْ، وَاغْتَصَبَ بَيْتًا وَلَمْ يَبْنِهِ" (سفر أيوب 20: 19)، " لأنه لم يعرف في بطنه قناعه" (أي 20: 19، 20).
ثالثاً: أشعروه أيضاً بأنه يجب أن يقبل تأديب الله، وليس له مجال في استجابة لصلاته أو تشفع بالقديسين.
وهكذا قال له أليفاز التيماني في قسوة " أدع الآن، فهل من مجيب! وإلي أي القديسين تلتفت! "هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله فلا ترفض تأديب القدير" (أي 5: 1، 17). كذلك فإن بلدد الشوحي - بدلاً من أن يعزيه في موت أبنائه - قال له " هل الله يعوج القضاء أو القدير يعكس الحق! إذ أخطأ إليه بنوك، دفعهم إلي يد معصيتهم" (أي 8: 3، 4) فكأنما موت كل الأولاد السبعة والبنات الثلاثة، كان بسبب خطايا كل منهم، وبعدل واستحقاق..!
رابعاً: أيضاً بلدد الشوحي حتي أراد أن يثبت استحقاق أيوب للعقوبة من واقع التاريخ ومن قول الآباء:
فقال له " نحن نعلم.. فهلا يعلمونك ويقولون لك " يقولون: " هكذا سبل كل الناسين الله، ورجاء الفاخر يخيب.. يستند إلي بيته، فلا يثبت " هوذا الله لا يرفض الكامل، ولا يأخذ بيد فاعلي الشر" (أي 8: 8- 20). وكأنه ألصق بأيوب كل هذه الصفات الشريرة، مثل: الفاخر، والناسين الله، وفاعلي الشر!! أي تأثير لكل هذا علي رجل كامل مستقيم!
خامساً: نري صوفر النعماتي يطلب إليه التوبة ليرحمه الله!
فيقول له " ليت الله ويتكلم ويفتح شفتيه معك.. فتعلم أن الله يغرمك بأقل من أثمك" (أي 11: 5، 6) . ثم يتابع كلامه معه فيقول " أن أبعدت الإثم الذي في يدك، ولا يسكن الظلم الذي في خيمتك، حينئذ ترفع وجهك بلا عيب، وتكون ثابتاً ولا تخاف.." (أي 11: 14، 15).
سادساً: ما كان مناسباً أن يكلموه بهذا الأسلوب الجارح، وهو مجرب يقاسي كل الأثم المحيط به..
ولهذا قال لهم أيوب " قد سمعت كثيراً مثل هذا معزون متعبون كلكم.. أنا أستطيع أن أتكلم مثلكم، لو كانت أنفسكم مكان نفسي" (أي 16: 11، 4). بل قال لهم "ليتكم تصمتون صمتاً، فيكون صمتكم لكم حكمة" (أي 13: 5). بل ترجاهم قائلاً "حتي متي تعذبون نفسي، وتسحقونني بالكلام، هذه عشر مرات أخزيتموني. لم تخجلوا من أن تحكرونني.. وهبني ضللت، علي تسقر ضلالتي" (أي 19: 2-4). بل قال لهم أكثر من هذا:
تراءفوا أنتم علي يا أصحابي، لأن يد القدير قد مستني" (أي 19: 21).
سابعاً: كانت بعض أقوالهم فيها روح الشماتة:
وهذا لا يتفق مطلقاً مع كونهم أصحابه، ولا يتفق مع شعورهم الأول حين "رفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته، وذروا تراباً فوق رؤسهم" (أي 3: 12). ولكنهم عندما دخلوا معه حوار، نري أسلوبهم قد تغير. فيقول له صوفر النعماتي ".. إن الله يغرمك بأقل من إثمك" (أي 11: 6). ويقول عنه أليفاز التيماني " لا يأمل الرجوع من الظلمة، وهو مرتقب للسيف " " يسكن مدناً خربة، بيوتاً غير مسكونة عتيدة أن تصير رجماً " قبل يومه يتوفي، وسعفه لا يحضر" (أي 15: 22، 32).
ثمانية عشر إصحاحا كانت مجادلات أصحاب لأيوب معه واتهامهم له، وردوده عليهم. أثاروه كثيراً.